لن تتوقف موجات الضرائب المتتالية التى تضرب جيوب المصريين طوال السنوات الأخيرة، ما لم تعالج حكوماتنا المتعاقبة نفسها من إدمان الاقتراض من الخارج والذى وصل إلى حد الهوس، لدرجة أنها أصبحت تقترض لكى تستطيع تسديد فوائد ديونها السابقة، كما اعترف وزير المالية محمد معيط بنفسه فى برنامج تليفزيونى!
صحيح أن حكومة مصطفى مدبولى تراجعت خطوة للخلف، وقررت تأجيل تنفيذ قانون الشهر العقارى وتحصيل ضريبة التصرفات العقارية لنهاية هذا العام، لتنظيم ــ كما تقول ــ حوار مجتمعى حوله لإجراء تعديلات عليه، لكن حقيقة الأمر أن هذا التراجع جاء تحسبا لتصاعد الاستياء الشعبى الذى بلغ مداه على مواقع السوشيال ميديا والمداخلات التليفزيونية دون أن يعرف أحد بالضبط ما الذى سوف يؤول إليه؟
ملايين المصرين الذين ضربهم زلزال الكورونا ومن بعدهما بركان التصالح فى مخالفات البناء وقبله فرض ضريبة على الدخل، لم يخطر فى بالهم مطلقا أن الحكومة ستفتش فى دفاترها القديمة لتفرض عليهم ضرائب أخرى، لكن حكومة مدبولى لم يكن أمامها أى طريق آخر غير جيوب المصريين لتوفير الأموال اللازمة لدفع فوائد القروض المستحقة عليها، وهو ما سوف تستمر فيه طوال السنوات المقبلة خاصة مع التراجع الرهيب فى إيرادات السياحة وتحويلات المصريين من الخارج وغيرها من الموارد.
إجمالى الديون الخارجية المستحقة على مصر وصل طبقا لبيانات البنك المركزى إلى 125،3 مليار دولار، وهو رقم تضاعف نحو 3 مرات خلال السنوات الأخيرة، دون أن يدرى أحد فى مصر كم عدد الأجيال المقبلة التى سوف تتحمل تبعات تسديده، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة على المستوى الدولى التى تحول دون مضاعفة إيراداتنا من التصدير مثلا، أو من إيرادات قناة السويس، أو حتى قدرتنا على جذب الاستثمارات الأجنبية بالقدر المطلوب لمواجهة أعباء هذه القروض.
كما أن كل المشاريع التى أنفقنا عليها أموال هذه القروض ليست من النوع الذى يعطى عائدا سريعا، ولا حتى من النوع الذى يوفر فرص عمل كبيرة يمكن أن تحل مشاكل البطالة أو توفر دخولا حقيقية للأسر المصرية من الفقراء ومحدودى الدخل، فبسبب ارتباطنا الوثيق بالاقتصاد العالمى أصبحنا ندفع فاتورة باهظة التكاليف لكل أزماته والتى لا يتوقع أحد أن تجد حلا قريبا لها.
ربما كان غياب السياسة هو السبب الحقيقى وراء أزماتنا الاقتصادية الراهنة، فكل سياساتنا الاقتصادية تم اعتمادها فى الغرف المغلقة، لم تناقشها الأحزاب ولا القوى السياسية المختلفة ولا حتى البرلمان، لم تبحث حكوماتنا عن البدائل ولم تهتم بمجرد الاستماع لآراء المخالفين لها، حتى وصلنا إلى مرحلة صعبة، بعد أن أصبحت القروض من أمامنا والضرائب من خلفنا.