سحر السوق - بول كروجمان - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 11:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سحر السوق

نشر فى : الأربعاء 1 أبريل 2009 - 7:56 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 أبريل 2009 - 7:56 م

 رد لورنس سومرز ــ رئيس المجلس الاقتصادى القومى ــ على الانتقادات الموجهة لخطة إدارة أوباما، بشأن دعم شراء الأصول الخطرة قائلا: «لم أعرف أى اقتصادى لا يوافق على أن وجود سوق رأسمالية كفء، يمكن فى ظلها أن يجرى تداول الأصول، هو بمثابة فكرة جيدة».

فلندع جانبا لوهلة فكرة ما إذا كانت السوق التى تجرى فيها رشوة المشترين كى يشاركوا، يمكن حقا وصفها بالكفء. وحتى لو كان الأمر كذلك، يجب على سومرز أن يرى الصورة كاملة. فقد بدأ قليل من الاقتصاديين يراجعون آراءهم السابقة بشأن الأسواق المالية وتداول الأصول، فى ضوء الأزمة الحالية.

غير أنه أصبح واضحا بشدة أن كبار المسئولين فى إدارة أوباما مازالوا واقعين فى قبضة سحر السوق، حيث مازالوا يؤمنون بالقدرة السحرية لأسواق المال، وبمهارة السحرة فى ممارسة عملية السحر فى هذه السوق.

غير أن سحر السوق لم يحكم السياسة المالية دائما. فقد خرجت الولايات المتحدة من الكساد العظيم ولديها نظام مصرفى منظم بأحكام، وهو ما جعل عملية التمويل تجرى بشكل رصين، لدرجة أنها أصبحت عملا مملا. فكانت البنوك تجذب المودعين عبر تأسيس أفرع لها فى مواقع مناسبة، وتقديم بعض الهدايا العينية، ثم تستخدم الودائع فى تقديم قروض، وهذا كل ما فى الأمر.

ولم يكن النظام المالى مملا فحسب، ولكنه كان أيضا محدود النطاق، لو طبقنا المعايير الحالية. فحتى فى عقد الستينيات، حيث الرواج وازدهار السوق، مَثَلَ التمويل والتأمين معا أقل من 4% من الناتج المحلى الإجمالى. وتتضح محدودية أهمية قطاع التمويل بالنظر إلى أن قائمة الشركات المدرجة فى مؤشر داو جونز لم تضم شركة تمويل واحدة حتى عام 1982.

ويبدو الأمر بدائيا للغاية، بالأخذ فى الاعتبار المقاييس الحالية. غير أن هذا النظام المالى الممل والبدائى خدم اقتصادا نجح فى رفع مستويات المعيشة على مدى جيل واحد.

وبعد عام 1980 ظهر بالطبع نظام مالى مختلف تماما. ففى ظل سيادة عقلية تراجع دور الدولة أثناء حكم ريجان، جرى إحلال البنوك التقليدية، عبر توسيع نطاق أعمالها. وأصبح النظام المصرفى الجديد أكبر كثيرا من القديم. فعشية حدوث الأزمة الراهنة، بلغت مساهمة التمويل والتأمين 8% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يعد ضعف مثيلتها فى الستينيات. وبحلول بداية العام الماضى، كان مؤشر داو جونز يضم خمس شركات مالية، منها شركات عملاقة مثل أيه آى جى وسيتى جروب وبنك أوف أمريكا.

ولم يعد التمويل أمرا مملا على وجه الإطلاق. فقد استطاع اجتذاب عديد من ذوى الذهن الحاد، وجعل عددا قليلا من الأفراد شديدى الثراء.
وكانت عملية التوريق هى أساس عالم التمويل الجديد الساحر. ولم تعد القروض تبقى فى حوزة المُقرض، بل جرى يبعها لآخرين، قاموا بتفتيت الديون الفردية لأجل تكوين أصول جديدة. وأصبحت مجالات الرهن العقارى وديون بطاقات الائتمان وقروض السيارات من بين مكونات نظام التمويل. وكوفئ سحرة التمويل بسخاء، نظير إشرافهم على هذه العملية.

لكن أولئك السحرة كانوا محتالين فى واقع الأمر، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه. وتحول سحرهم إلى مجرد مجموعة من الحيل الرخيصة. والأهم من ذلك، أن الوعد الأساسى المرتبط بعملية التوريق ــ وهو أنها سوف تجعل نظام التمويل أكثر صلابة عبر توزيع الأخطار ــ ظهر أنه محض كذبة. فقد استخدمت البنوك عملية التوريق فى زيادة مخاطرها، لا فى تقليلها، وهو ما جعل الاقتصاد أكثر هشاشة فى مواجهة الاضطرابات المالية.

وكان لابد للأمور أن تسوء عاجلا أم آجلا، وهو ما حدث بالفعل. فقد انهارت بير ستيرنز، وليمان برازرز، ولكن الأهم من ذلك هو انهيار عملية التوريق ذاتها.
ويحيلنا هذا الأمر إلى رؤية إدارة أوباما حول الأزمة المالية.

قد ركزت معظم المناقشات حول خطة التعامل مع الأصول الخطرة على التفاصيل والحسابات الرياضية المرتبطة بهذه العملية، وهو ما يعد نهجا صحيحا. غير أن ما يثير الدهشة هى الرؤية التى عبر عنها مضمون الخطة المالية، وكذلك بيانات مسئولى إدارة أوباما. ففى الجوهر، يبدو أن الإدارة مقتنعة بأنه بمجرد أن يهدأ المستثمرون، يمكن استئناف عملية التوريق وعمليات التمويل فى مجملها، بنفس الطريقة التى كانت تُدار بها هذه العمليات قبل عام أو عامين.

وكى نكون منصفين، يجب الإقرار بأن المسئولين يدعون إلى مزيد من تنظيم الحكومة للعملية. وفى حقيقة الأمر، فقد وضع وزير الخزانة تيموثى جايتنر مؤخرا خططا لتعزيز عملية التنظيم هذه كانت تلك الخطط تعد راديكالية إلى وقت قريب.
لكن جوهر هذه الرؤية يظل الإبقاء على نظام التمويل ذاته، الذى كان قائما منذ عامين، بالرغم من أنه أصبح الآن مطوعا بقواعد جديدة.

ومن جانبى، اختلف مع هذه الرؤية، ذلك أنى لا أعتقد أن المشكلة مصدرها فقط الرعب المرتبط بعملية التمويل، بل إنها تعبر عن فشل النموذج المصرفى برمته، ونمو القطاع التمويلى بطريقة مفرطة، وهو ما فاقت مضاره منافعه. ولا أعتقد أن إدارة أوباما قادرة على إعادة الحياة لعملية التوريق، ولا أعتقد أن عليها أن تحاول القيام بذلك.

2009 New York Times News Service


بول كروجمان حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
التعليقات