التسول ليس حلًا - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التسول ليس حلًا

نشر فى : الأربعاء 1 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 مايو 2013 - 8:00 ص

تتقدم الأمم بالإنتاج، ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، وليس بالاستدانة أيا كان مسماها. حكومة هشام قنديل ــ للأسف ــ فشلت فى بعث الروح الانتاجية فى المجتمع، وجعلت مجمل نشاطها يدور حول القروض، وتنشيط الجباية، وتخفيض الدعم، ورفع أسعار السلع... إلخ. فى عهد مبارك مدت الدولة يدها إلى الخارج، بشكل أكثر حرفية مما نراه الآن، ولكن لم يحدث أن شعر رجل الشارع ــ أى الشخص العادى ــ بأن مستقبل الاقتصاد يرتبط بقرض صندوق النقد الدولى مثلما نراه الآن، والذى يعتبر هشام قنديل أن الحصول عليه علامة انتصار، وشهادة ثقة.

 

الاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين اعتمد فى الأساس على سد عجز الموازنة بالحصول على أذون الخزانة، مما يعنى مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى الاستحواذ على الفرص التمويلية التى ينبغى أن توجه إلى القطاع الخاشص. بمرور الوقت لن تستطيع الحكومة سد العجز باللجوء إلى مصادر خارجية أو داخلية، وحتى إن استمرت مصادر الاستدانة خارجيا وداخليا فإن خدمة الدين سوف تظل تلتهم جزءا من الموازنة العامة، تضاف إلى الرواتب والأجور والدعم، مما يعنى أن تآكل فرص إطلاق مشروعات انتاجية فى القطاعين العام والخاص.

 

المجتمع لا ينمو إلا بالإنتاج، وليس بالتسول محليا أو دوليا. الانتاج ليس فقط نشاطا يضيف للاقتصاد وظائف وموارد وسلعا، ولكن أيضا يضفى على الناس روحا من الجدية والمثابرة والرغبة فى الانجاز والترقى وتقدير الوقت، ويوفر سياقا مجتمعيا يؤدى إلى حل مشكلات تنتعش فى أجواء البطالة والركود والكساد مثل الجريمة وانتهاك حقوق الانسان والتحرش الجنسى... إلخ.

 

 القضايا غير منفصلة، الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع فى حالة تداخل.

 

الاقتصاد المنتج يوفر فوائض مالية ــ عامة وخاصة ــ تترجم فى تمويل المؤسسات الاجتماعية والثقافية، والتعليمية والبحثية، ويصرف الناس عن الانشغال بتوافه الأمور، والنقاشات التى يغلفها التنطع، والتعصب والجهل. لم أر مجتمعا منتجا ينشغل فيه الناس بجدوى التهنئة على بعضهم بعضا فى الأعياد، أو اعتبار أن مشاركة المرأة فى مظاهرة سببا للاغواء، أو مدعاة للتحرش الجنسى.

 

كان الله فى عون الشعب المصرى الذى يمر بمحنة تهز كيانه. حكومته متسولة، وقدراته الانتاجية معطلة، وأمراء التخلف يشغلونه بتوافه الأمور. لم أستغرب أن يجهش الناس بالبكاء فى أعقاب حفلة فنية صدعت بأغانٍ وطنية مست مشاعرهم، وشفقت على مسئول رفيع يسعى جاهدا إلى ترك موقعه الذى يمتلك فيه خبرات عديدة لأنه لم يعد يستطيع أن يرى مزيدا من التدهور يضرب أركان الدولة.

 

الناس تمسك بتلابيب الجيش والأزهر والكنيسة لأنهم يحملون روح مصر التى تخبو. أخطر ما فى الحكم الحالى ليس الوهن الاقتصادى أو مشكلات السياسة، ولكن استفزاز الشعب المصرى فى كبريائه وكرامته. وكلما زاد الاستفزاز، كلما زاد رد الفعل الانتفاضى على المستوى الشعبى. ليس سهلا مسخ روح مصر، ويخطئ من يظن أن بإمكانه ذلك.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات