مفوضية التعليم، هى التنظيم الذى كان حلما للكثير من التربويين والمعلمين وخبراء التعليم وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات. هذا التنظيم لم يعد صعب المنال، ولم يعد مجرد حلم كما كان فى السابق. منذ أيام قليلة أحيل إلى الحوار الوطنى مشروع قانون كان مجلس الوزراء على شفى دفعه إلى مجلس النواب، لتأسيس ما سمى «المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب». المشروع يتألف من ثمانى مواد. تبدأ بالتبعية، فالتشكيل، وتنتهى بنصاب الاجتماع وآلية اتخاذ القرار، فالمهام.
فى السابق وخلال الفترة من أغسطس 2017 إلى فبراير 2019 عقد مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام 14 ورشة عمل بالتعاون مع لجنة التعليم بمجلس النواب، وذلك فى القاهرة والإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ. وخلال تلك الفترة كان النقاش بالأساس على تأسيس مفوضية للتعليم تهدف إلى رسم سياسية التعليم بمختلف أنواعه، وذلك لضمان جودة التعليم وكفاءته، وذلك فى إطار سياسة الدولة، وبما يتوافق مع الدستور والمواثيق الدولية التى صادقت مصر عليها، وبما يهدف إلى التواكب مع العصر، وتحقيق التنمية المستدامة، ويعزز الهوية الوطنية وروح الانتماء.
والمفوضية الخاصة بالتعليم ومن واقع التجارب الدولية هى دوما هيئات مستقلة ذات شخصية اعتبارية، ومن ثم فتشكيل تلك الهيئة من عناصر يغلب عليها الطابع الحكومى من خلال وزراء الحكومة هو أمر يجافى حقيقة كون هذا التنظيم يهدف لرسم سياسة يضعها أمام المنفذين لتنفيذها، ويجافى حقيقة أن ما أصاب التعليم فى مصر خلال العقود الخمسة الماضية كان ناتجا عن هؤلاء المنفذين أنفسهم، والذين غلب على سياساتهم العشوائية والتبدل فى وضع سياسات تتغير كلما جاء وزير تعليم أو تعليم عال جديد.
على هذا الأساس كانت الرؤية أن يتشكل هذا التنظيم من عدد من خبراء التعليم والتربويين والشخصيات العامة المشهود لها وذات العطاء المميز فى مجال الفكر والعلم. وأن يشغل هؤلاء مواقعهم لمدة أربع سنوات على سبيل المثال، وأن يتمتع هذا المجلس أو تلك المفوضية بالشخصية الاعتبارية المستقلة، بما يعنى أن يكون ذا ذمة مالية وأهلية خاصة. وإن كان من المهم أن يتبع رئيس الجمهورية وليس رئيس الوزراء كما هو مسطور فى مشروع القانون.
أما بشأن مهام هذا المجلس فإن مشروع القانون المطروح على الحوار الوطنى، على الرغم مما جاء به من اختصاصات وأعمال نبيلة، إلا أن ما نقص المشروع هو أنه تجاهل أحد أهم قضيتين، وهما محو الأمية والبحث العلمى. إضافة إلى ذلك، فإن من المهام الجديدة التى يتوجب إضافتها إلى المشروع المذكور هو أن يبدى الرأى فى مشرعات القوانين التى تخص التعليم قبل سنها من قبل مجلس النواب، وأن يقترح موازنات المؤسسات التعليمية بما يضمن تحقيق المعادلات الدستورية المنسوبة للناتج القومى الإجمالى فيما يخص التعليم والبحث العلمى، وأن يبادر فى الطلب من المؤسسات المعنية بسن التشريعات، لوضع أو تعديل تشريعات قائمة لعلاج وتطوير العملية التعليمية، وأن يقوم بمتابعة تطبيق الاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية المتصلة بالتعليم والتى صادقت مصر عليها، وأن يقوم بالتعاون مع المنظمات والجهات الدولية المعنية بالتعليم لتحقيق أهداف المفوضية، وأن يكون له الحق الكامل فى عقد الندوات وورش العمل وأعمال التدريب المتصلة بالتعليم، وأن يضع القواعد العامة المنظمة لاختيار وتعيين وتدريب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس والعاملين فى المؤسسات التعليمية فى الجامعات والمراكز البحثية. وأخيرا وليس آخر، أن تقوم المفوضية بإصدار تقرير سنوى لتقييم الأداء ووضع مقترحات لعلاج القصور فى كل ما يخص النشاط التعليمى فى البلاد، وأن يرفع هذا التقرير إلى رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب.
وبطبيعة الحال، ونظرا إلى أن البلاد بها عديد التنظيمات والهيئات المستقلة التى تناهز الـ 50 هيئة، فإن العمل وحده هو الكفيل بتحقيق نجاح هذا التنظيم الجديد، لا سيما وأن عديد تلك الكيانات أصبح متكلسا ولا ينعقد بشكل دورى، ومن ثم كانت مهامه قد جمدت عمليا. لذلك فإن وجود مثل هذا التنظيم يحتاج إلى المتابعة والاستمرار، وهو ما يتطلب تغيير أوضاع تعليمية كثيرة، خاصة قانون التعليم وقانون الجامعات، والنظم واللوائح المنظمة لعمل الأجهزة المتصلة بكل من المجالس العليا للجامعات العامة والخاصة والأهلية والأجهزة القائمة على ضمان الجودة والتقويم والمناهج والبحوث التربوية.