فى اليوم المفترض أن يحتفل فيه ملايين المصريين بالذكرى الأولى لثورة 30 يونيو، وتخلصهم من حكم مافيا الإخوان، وإحساسهم بأن الغد سوف يأتى بالأفضل، جاء مشروع الموازنة الجديدة ليصيبهم جميعا بالإحباط، بعد أن تبين لهم أن الفقراء ومحدودى الدخل وفئات عريضة من الطبقة المتوسطة سوف تتحمل موجة جديدة من الغلاء، لن تقتصر فقط على رفع أسعار الوقود والكهرباء،ولكنها بالتبعية ستشمل معظم السلع والخدمات الأساسية، وهو ما يضع كل أهداف الحكومة فى محاربة الفقر، فى مهب الريح!
صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وعد خلال حملته الانتخابية بأن تحسن مستوى المعيشة سوف يستغرق عامين، كما كان واضحا فى قوله إن أوضاعنا الاقتصادية فى غاية الصعوبة، وإنه «هايجيب منين» لأصحاب المطالب الفئوية، لكن المؤكد أن هذه الارتفاعات القادمة فى الأسعار سوف تخصم كثيرا من رصيد السيسى الجماهيرى، وسوف تقدم لمافيا الإخوان المزيد من المبررات التى سوف يستخدمونها فى تكثيف هجومهم عليه.
وصحيح أيضا أن السيسى قدم نموذجا للأثرياء ولرجال الأعمال بتبرعه بنصف مرتبه ونصف ثروته لخزانة الدولة، لكى يحذو حذوه، لكنها فى النهاية لن تكون سوى خطوة رمزية تؤكد صدق الرجل وإخلاصه لبلده، لكنها لن تحل أبدا أزماتنا الاقتصادية المتلتلة، ولن تفلح فى علاج عجز الموازنة، بدليل أن الحكومة لم تجد أمامها سوى اللجوء للحل الصعب بتخفيض الدعم على الوقود ورفع سعر الكهرباء.
قد يرى الكثيرون من منتقدى الميزانية أنها صدرت داخل غرف مكيفة، أى بدون رقابة شعبية وبرلمانية، وحتى الصحف استمرت طوال الأيام السابقة تنشر أرقاما متضاربة لبعض بنودها، وتصريحات متناقضة لوزرائها حول مقدار تخفيض الدعم وتوقيته، لكن ما أثار انتباهى بجانب هذه الارتفاعات الجديدة فى الأسعار، هو أن التدهور سوف يظل مستمرا فى قطاعى التعليم والصحة، فالتضخم الذى يتجاوز نسبة الـ10% سيأكل كل الزيادات التى أقرتها الموازنة لهما، وهو ما يعنى أن الحكومة تتحايل على الدستور ، الذى ألزمها بإقرار زيادات سنوية على الصحة والتعليم ليصل الإنفاق عليهما للمستويات العالمية بعد ٣ أو ٤ سنوات، وهى تعلم أنها لا ترفع من جودة الخدمات فيهما، أو بمعنى أصح لا توقف التدهور المستمر فيهما.
ومع فشل الموازنة الجديدة فى مواجهة ارتفاع الأسعار وتحسين خدمات الصحة والتعليم، فإنه فى المقابل ينبغى الاعتراف بأن هناك جهودا حكومية واضحة فى فرض ضرائب على الأغنياء، وعلى الأرباح الرأسمالية، وهناك توجهات لتقليل الإنفاق الحكومى، ولكن يبقى السؤال: هل يتحمل الفقراء ومحدودو الدخل ارتفاعات جديدة فى الأسعار، دون أن يفكروا فى ثورة ثالثة، وهل تفوت التيارات المتطرفة هذا الإحباط الجماهيرى دون أن يقدموا المزيد من عروضهم الدموية، ليوفروا مناخا للفوضى وكسر الدولة؟
أتصور أن جدية الرئاسة والحكومة فى محاربة الفساد وملاحقة الرؤوس الكبيرة، ستكون كلمة السر فى إقناع المصريين بتحمل موازنة متقشفة، فالمهم أن يشعر المصريون أن العدالة سوف تقتص من سارقى قوتهم!