فى تقديمه للكتاب الذى ضم يوميات ومراسلات أيقونة النضال ضد الظلم والتفرقة العنصرية، الزعيم الإفريقى، نيلسون مانديلا، وحمل عنوان «حوارى مع نفسى» ــ يقول الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، إنه وقف ذات يوم فى الزنزانة التى قضى فيها مانديلا سنوات طوالا خلف جدران سجن جزيرة روبن محاولا استذكار تضحيات السجين رقم «466/ 64» الذى قهر سجانيه قبل أن يُسقط نظام التمييز العنصرى فى جنوب إفريقيا بالضربة القاضية فى مطلع التسعينيات من القرن العشرين.
وفى الكتاب ذاته يطرح القائمون على نشره سؤالا: من هو نيلسون مانديلا، وكيف كان يفكر فى الواقع؟ ومن السؤال نفسه انطلق العمل الدرامى الإذاعى «طبول الحرية» الذى أذيع على مدى 30 حلقة فى شهر رمضان الماضى عبر أثير إذاعة البرنامج الثقافى.
المسلسل الذى أخرجه ياسر زهدى، وكتبه عماد مطاوع، حاول تقديم المشوار الطويل الذى قطعه مانديلا، سعيا إلى الحرية، منذ مولده فى 18 يوليو 1918 وحتى وفاته فى 5 ديسمبر 2013، وهو عمل شاق، بحجم المشقة التى كابدها «الفتى المشاغب نفسه» فى نضاله العظيم من أجل تحرير بلاده من القهر وعدم المساواة، فى ظل التمييز العنصرى البغيض.
«طبول الحرية» التى قرعها مانديلا بددت ظلام القهر، وفتحت طاقة نور لكل صاحب قضية، تردد صداها فى استوديو 45 بمبنى الإذاعة والتليفزيون قبل أيام، حيث شرفت مع كوكبه من النقاد والصحفيين بالمشاركة فى الندوة النقدية التى نظمها الإذاعى الكبير محمد إسماعيل مدير عام إذاعة البرنامج الثقافى لمناقشة عدد من الأعمال الدرامية الإذاعية، التى أذيعت خلال شهر رمضان الماضى.
الندوة التى حضرتها الإعلامية بسمة حبيب رئيسة الشبكة الثقافية، والكاتب والناقد البارز محمد السيد عيد، والكاتبة أنس الوجود رضوان، والناقد كمال القاضى، شهدت حوارا جادا وثريا حول ثلاثة أعمال إذاعية أخرى إضافة إلى «طبول الحرية»، هى: «إنسان» تأليف محمد عبدالعزيز إخراج أسامة سمير، وأذيع على «صوت العرب»، ومسلسل «شتات الشهبندر» تأليف سعد القليعى، وإخراج أمجد أبوطالب، وقدمته إذاعة القاهرة الكبرى، ومسلسل «سيدة يثرب» تأليف محمد عبدالسميع، وإخراج أميرة بدوى، وأذيع على محطة القرآن الكريم.
وبالعودة إلى جلسة تقييم «طبول الحرية» التى تحدثت أمامها، اختصر المخرج ياسر زهدى رحلة الزعيم الإفريقى فى تتر المقدمة الذى جمع فيه بين صوت لهاث بطله ونباح كلاب شرسه تطارده، فى إسقاط واضح على المستعمر الأبيض، واضعا المستمع فى أجواء رحلة نيلسون مانديلا الذى قضى جل سنوات شبابه مطاردا أو خلف قضبان السجون.
«من أنت؟» يرد الفنان حلمى فودة الذى لعب دور الزعيم الأفريقى، فى بداية كل حلقة بنبرات صوت تجمع بين الحلم والرجاء على لسان مانديلا: «إننى عالم من المعاناة والمصاعب والمشكلات، لكنه أيضا عالم من الحب والحلم والأمل.. إنه أنا نيلسون مانديلا»، حيث يعرض المسلسل لمحطات مهمة فى مسيرة الرجل، بحلوها ومرها، ولم يغفل أن يقدمه فى لحظات ضعفه ونزقه جنبا إلى جنب صلابته وقوته.
اجتهد القائمون على مسلسل مانديلا، الذى سنحتفل بعد أيام بذكرى مولده المائة وواحد، غير أن ذلك لم يمنع من وجود بعض الملاحظات، وفى مقدمتها إفراد مساحة كبيرة لحياة الزعيم الإفريقى منذ أن كان طفلا يرعى الماشية فى قريته، ومرورا بمراحل تعليمه المختلفة، على حساب فترة سجنه، وهى المحطة الأهم التى صنعت أسطورته، كما لم يستغل المؤلف الزيارة السرية التى قام بها مانديلا إلى مصر قبيل اعتقاله بالقدر الذى يعكس دور القاهرة فى مساندة حركات التحرر الإفريقية فى ظل قيادة عبدالناصر.
سيرة حياة أيقونة النضال الإفريقى التى امتدت لأكثر من 95 عاما يصعب على أى عمل فنى أن يحتويها، لكن وفى ظل العودة المصرية القوية إلى إفريقيا، وتولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى فى الدورة الحالية، كان نيلسون مانديلا خير استدعاء لـ «طبول الحرية»، التى لا نزال نحتاج إلى قرعها فى عموم القارة السمراء.