أوساكا ومجلس إدارة العالم - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوساكا ومجلس إدارة العالم

نشر فى : الإثنين 1 يوليه 2019 - 8:15 م | آخر تحديث : الإثنين 1 يوليه 2019 - 8:15 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب «غسان شربل» وجاء فيه؛
هل حصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من قمة أوساكا على ما كان يخطط له أو يرضيه؟ وهل عاد الرئيس الصينى شى جين بينغ إلى بلاده مرتاحا إلى تجنب الحرب التجارية مع أمريكا أو إرجائها؟ وهل رجع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين راضيا عن نتائج مشاركته وإطلالته؟ وهل عاد الأمير محمد بن سلمان إلى بلاده مرتاحا إلى نتائج مشاركته فى القمة؟
واضح أن أمريكا لا تزال تحتل الموقع الأول فى نادى الكبار. التوترات التى تثيرها مفاجآت ترامب لدى خصومه وحلفائه لم تنلْ من موقعها. لا تزال الاقتصاد الأول والآلة العسكرية الأولى. بلبل أسلوب ترامب خطوط التحالف والخصومة بينها وبين دول العالم، لكن هذا الرئيس الذى جاء أصلا من خارج القاموس التقليدى يجيد معالجة المفاجآت بالمفاجآت والصدمات. وبفعل مرونة متبادلة، تم كبح الانزلاق نحو حرب تجارية مفتوحة، والاتفاق على استئناف المحادثات. وفاجأ سيد البيت الأبيض حلفاءه الأوروبيين، حين اتخذ موقفا متسامحا من شركة «هواوى» العملاقة التى كان قبل أسابيع يتحدث عن خطورتها ويدعو إلى مقاطعتها. لهذا يمكن القول إن الرئيس الصينى عاد راضيا هو الآخر. ولم يضع ترامب الفرصة، فقد توّج سباحته فى أضواء أوساكا بمفاجأة مدوية، حين أصبح أول رئيس أمريكى يمشى، ولو بضع خطوات، على تراب بلاد كيم إيل سونغ.
يمكن القول إن بوتين عاد راضيا هو الآخر. أثبتت الأيام أنه شريك لا بدَّ منه، رغم ضم القرم وزعزعة استقرار أوكرانيا والرد على اقتراب حلف الأطلسى من حدود بلاده برسائل موجعة واختراقات، وبينها التدخل العسكرى فى سوريا.
ولى العهد السعودى عاد مرتاحا هو الآخر. ستستضيف الرياض قمة العشرين فى السنة المقبلة، ولهذا الحدث معناه بالنسبة إلى حضور السعودية الدولى، وبالنسبة إلى الظروف فى منطقة الخليج. كانت لقاءات محمد بن سلمان من العلامات المميزة فى القمة. لا يقتصر الأمر على الكلام الدافئ الذى ردَّده ترامب أمام الكاميرات، فقد كانت الحفاوة ظاهرة بالمشارك السعودى من الدولة المضيفة وقادة الدول الكبرى، وبينهم بوتين الذى سيزور السعودية فى الخريف المقبل. وبدا واضحا الارتياح الدولى الواسع لورشة الإصلاح والتحديث التى يقودها الأمير محمد بن سلمان. وكان شينزو آبى بين من حرصوا على تكرار الإشادة بها.
فى مواكبة قمة العشرين، يشعر الصحفى بقدر من المهابة لا يحضر لدى متابعته اللقاءات الدولية الأخرى. فهذا الموعد صار أهم بكثير من المهرجان الخطابى الذى تشكله الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يذهب كثيرون للترويج لسياساتهم، وتذهب الدول الضعيفة لذرف دموعها، وهو أهم بالتأكيد من القمم الجهوية والإقليمية التى تنشغل غالبا بضمان القدرة على تطويع المفردات لتدبيج بيان ختامى أكثر من انشغالها بمعالجة فعلية للأزمات والتوترات، ثم إنها تجمُّعٌ تتقدم فيه هيبة الأرقام على المواهب الخطابية والحروب الكلامية.
لا مبالغة فى القول إن قمة العشرين تعنى كل فرد من سكان القرية الكونية، سواء أقام فى العواصم المكتظة أو الأرياف العطشى إلى التقدم والازدهار. تعنيه لأنَّ هذه القمة معنية بالاستقرار الاقتصادى والمالى، والتبادل التجارى والتنمية المستدامة والازدهار والاستثمار، ثم إنها قاطرة التقدم فى عالم لم تعد الثورة فيه حدثا ينتظر، بل أمرا يوميا تنجبه المختبرات، واضعة الدول والشعوب أمام خيار وحيد، هو اللهاث للتكيف مع عالم تتسارع وتائر التغيير فيه.
صورة المتحلقين حول طاولة قمة العشرين تعطيك انطباعا بأنهم أعضاء مجلس إدارة العالم، وأن شعورا بترابط المصائر يتحكم بالنهاية فى قراراتهم، مهما اشتدت رياح التنافس، وضاعف تضارب السياسات من وطأتها. ففى هذا الكوكب المعولم، لا تستطيع الابتهاج لأن اقتصادا كبيرا منافسا يغرق، لأنك مضطر إلى المشاركة فى دفع فواتير الغرق. ولعل هذا الشعور هو ما يرغم الأطراف المتنافسة على تبريد مفرداتها، والبحث عن تسويات فى منتصف الطريق أو أقرب النقاط إليه. تلقى الخلافات السياسية بثقلها لدى مناقشة الملفات، لكن الخوف من العودة إلى الأزمات المالية الحادة والانهيارات الاقتصادية يلجم لغة المواجهة، ويقدم لغة الصفقة أو التسوية.
تكفى نظرة إلى المجتمعين فى القاعة. بلدانهم تمثل نحو ثلثى سكان الكوكب، والنسبة نفسها من التجارة العالمية. فى بلدانهم أقوى الاقتصادات، وأكبر الترسانات، وأكثر المختبرات تطورا، وأفضل نظم التعليم، ولعل الأهم على الإطلاق أن بينهم من يقود هذه الثورة التكنولوجية الهائلة، وهذا التحول الرقمى المذهل. لهذا، لا يبدو غريبا إطلاق وصف نادى الأقوياء على هذه القمم الدورية المعنية أصلا باستمرار النمو الاقتصادى، واستقطاب المزيد من الدول إلى قطار التقدم المتجه نحو المستقبل.
فى أوساكا، لازمنى شعور بأن القمة التى تعقد فى اليابان أكثر أهمية من سابقتها التى عقدت فى الأرجنتين العام الماضى. والأسباب كثيرة؛ إنها قمة تعقد فى هذا العمق الآسيوى الذى يتكاثر الحديث عن أنه سيكون قريبا قلب العالم ومحرك تقدمه، مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فانتقال الثقل الاقتصادى إلى هذا الجزء من العالم يشكل تغييرا كبيرا فى ملامح العالم الوافد من الحرب العالمية الثانية، وكذلك من ركام الاتحاد السوفيتى. ثم إن القمة عقدت فى وقت لاحت فيه نذر حرب تجارية بين أميركا والصين، وهى حرب يهدد اندلاعها بإمكان إطلاق حرب باردة جديدة على مستوى العالم، خصوصا بعدما حرص فلاديمير بوتين على بلورة محور روسى ــ صينى بات يمكن تلمسه من الأزمات الإقليمية وصولا إلى طاولة مجلس الأمن. ويذهب خبراء إلى القول إن الصين ستكون بالنسبة إلى الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتى الجديد، مع فارق هائل يتمثل بأنها قاطرة هائلة، سكانيا واقتصاديا.
سرقت أوساكا الأضواء من كل المدن حين انعقد مجلس إدارة العالم على أرضها. أدار آبى الاجتماع ببراعة واضحة، خصوصا حين أعطى الأولوية لإنعاش الحوار الأمريكى ــ الصينى. نالت أوساكا حصتها وفرصتها. والآن، على الرياض أن تستعدَّ لموعدها الكبير.

التعليقات