هل فى ذهنك موضوع أجدر بالبحث والدراسة فى العالم العربى من اللامبالاة العلمية والتقنية؟ هى، لدى الأكثرية للأسف، غربة واغتراب وعدم اكتراث فى آن. غالبا ما تستهدف سهام النقد أوساط المفكرين والمثقفين، لا لأن جدرانهم سهلة القفز عليها، لا قدّر الله، ولكن يقينا بأن الثقافة هى الحارس المنبّه الأوّل وفى الأثناء والأخير، فأهل العلم والاطلاع والتنقيب هم أولئك الباحثون والمبدعون، هم المستكشفون وحمَلة رايات التوعية والتنوير.
من خلال الجولات فى ربوع المطبوعات قبل عصر المعلوماتية، لا شك فى أن المثقفين كانوا يفتقدون الحضور العربى فى محافل العلوم، حتى فى الإنسانيات التى هى أحواض سباحة المثقفين وشواطئهم. يتساءلون كيف سبقَنا الأجانب بمستشرقيهم وعلماء آثارهم وأساتذة جامعاتهم، إلى أعمق أعماق تراثنا وميراثنا. أمّا فى علوم الأرض والكون، فجل بلاد العرب هى من بين البلدان السائرة على تسجيل الغياب والاغتراب، ولولا كثرة تردد كلمتى علم وعلوم فى مباحث اللغة والشريعة وأصول الدين، لظلت العلوم تذكر كميراث لنا فى الحضارة الإسلامية.
اليوم تغيّر المشهد عالميا، وصارت عواقب الغربة العلمية قضايا طفح كيلها خارج نطاق الاقتصاد والمعايير المألوفة قبل عقود فى تصنيف البلدان المتقدمة والمتخلفة. حتى قُبيل الحرب العالمية الثانية، لم يكن مطروحا بجدية موضوع التخلف الفيزيائى كخطر جيوسياسى، جيواستراتيجى، على الأوطان والسيادة والشعوب. اتضح الخطر بعد هيروشيما. اليوم صارت الآلة الذكية تحدد مواقع البلدان من التاريخ حاضرًا ومستقبلاً.
الصورة الكاريكاتيرية هى أنه لا مناص من ذلك المثل القديم: «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة». على الدماغ الثقافى العربى أن يأتينا بسحر يجعل التنميات المتعثرة تلتحق بالموكب العلمى التقنى، من دون الرجوع إلى تطوير المناهج التعليمية أوّلاً. المأزق ليس فكاهة وتسلية، فالعقبة الأنكى هى أن تطوير التربية والتعليم لم يعد ممكنًا بالأساليب البسيطة غير الباهظة التى كانت متاحةً قبل قرن. مع هذا ثمة أمور أشد وأعسر، وهى أن التنمية لم تعد ممكنةً بالمفرق والتقسيط. اليوم لا بدّ من التنمية الشاملة، وفى ظروف دولية باتت غير ذات أطراف ليّنة مساعدة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الوجودية: السؤال الطريف هو أين تريد أن تكون إذا لم يكن لك حضور علمى فى الكون ولا فى الأرض؟
عبداللطيف الزبيدى
جريدة الخليج الإماراتية