الكتابة عن الأفلام القديمة تفرض على الكاتب عمل مقارنة بين الأفلام فى المقام الأول، فالكتابة النقدية لا تتوافق تماما مع عشرات الأفلام، والغريب أن مخرجى هذه الأفلام هم من أبرز الأسماء، ومنهم مثلا أحمد بدرخان الذى أخرج فيلم (أنا وأنت) عام 1950، والذى شارك فى كتابتها مع كاتب سيناريو هو الأبرز دوما بديع خيرى، والفيلم قام ببطولته كل من محمد الكحلاوى الذى لم يقدم أبدا فيلما له قيمة وأهمية، وكانت معه هاجر حمدى وإسماعيل ياسين وحسن فايق وزينات صدقى، ويجب أن نتوقف عند إسماعيل ياسين هنا الذى شارك فى نفس السنة فى أداء شخصية مثلها فى فيلم (فاطمة وماريكا وراشيل) إخراج حلمى رفلة.
النقطة الأساسية هنا فى الفيلمين تعتمد على المسرحية الفرنسية (زواج فيجارو) لبومارشيه التى تتلخص فى تبادل الشخصيات، فالسيد فيجارو يذهب إلى بيت عروسه التى لا يرغب فيها ويتبادل هويته مع خادمة، نفس الفكرة تنتاب العروس وتتبادل مكانتها مع خادمتها، ومن هنا تدور الحبكة، السيد الحقيقى وقع فى غرام سيدة المنزل، والخادم يحب الخادمة حتى تتضح الأمور، هذه الفكرة جسدها إسماعيل ياسين أكثر من مرة، منها فيلم قام ببطولته أمام نجاح سلام، كما أن أبوالسعود الأبيارى كررها مرة أخرى فى فيلم (هارب من الزواج) بطولة فؤاد المهندس، كما أن حسن الصيفى قدمها بشكل متحور فى فيلم (حب وعذاب) سنة 1959.
مثلما تحدثنا فى مرات سابقة لا يمكنك أن تشاهد أو أن تكتب عن أحد هذه الأفلام بمعزل عن الآخر، فهى تعتمد على سوء الفهم والمقالب التى تنجم عن تبادل الهويات، فلا شك أن الخادمة التى تضطر إلى محادثة سيدتها على أنها خادمتها سوف تفعل ذلك بأسلوب مضحك خاصة إذا أسندت الشخصية إلى جمالات زايد أو زينات صدقى، وهناك دائما شخصيات تمثل عقبة ضد مشاعر الحب التى تتنامى بين العشاق مثل صاحب المسرح حسن فايق الذى يريد الزواج من المطربة التى عادت من إندونيسيا بعد سنوات من السفر، ومثل شخصية العاشق المخادع الذى يكذب فى عواطفه على فاطمة فى فيلم (فاطمة وماريكا وراشيل) إخراج حلمى رفلة، وفى كل هذه الأفلام هناك صديق البطل الممثل الكوميدى الذى يلعب دور الخادم مثل أبوبكر عزت فى فيلم (هارب من الزواج)، وإسماعيل ياسين فى أغلب هذه الأفلام.
أحمد بدرخان صاحب أهم الأفلام الغنائية مع فريد الأطرش واسمهان، لماذا يقوم بالتعامل مع محمد الكحلاوى الذى كان يعمل كثيرا فى أفلام لا تعدو أن تكون كومة من القش التى تتناثر مع الريح أو تحترق من عود ثقاب صغير، بدرخان صاحب أفلام منها (الايمان) و(مصطفى كامل) 1952 و(الله معنا)، بعد ذلك كل ما يفعله هو أن يجعل الكحلاوى لا يقف أمام الكاميرا ويغنى بلا توقف، ويبدو بدرخان كأنه لم يتعلم كلمة واحدة فى قاموس الكتابة أو الإعداد، وينطبق نفس الكلام على بديع خيرى أهم من كتب فى تلك السنوات، بالإضافة إلى أن طاقم الفيلم لم يكن فى أحسن حالاته، خاصة هاجر حمدى أو حسن فايق أو شرفنطح، أنا أعرف أنه لا يجب الوقوف عند هذه الأفلام أو الكتابة عنها، ففى مادتها ما لا يتوجب الكتاب لكن للأسف تاريخنا السينمائى المدون خاصة بالنسبة لواحد من أهم صناع السينما الغنائية الذى قدم أغلب أعمال أم كلثوم وفريد الأطرش ونجاة، اما محمد الكحلاوى فإن أفلامه تعتبر بمثابة بقع حبر أزرق.
سوف تحتسب قيمة السينما الغنائية لعدد قليل من النجوم الذين صدحوا على الشاشة بالغناء والاستعراض فأقاموا صرحا خالدا للأغنية والفيلم الاستعراضى من أمثلة عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم ومحمد فوزى، ومن المخرجين محمد كريم وأيضا بدرخان، إلا أن الكثير من نجوم الطرب تعاملوا باستهانة شديدة واستخفاف مع السينما فملأوها بالأغنيات التى تبخرت مع الزمن ولم يعد منها الآن سوى أشرطة، وكان على رأس هؤلاء محمد الكحلاوى، وأسماء أخرى عديدة ومنهم محمد أمين الذين اختفت أيضا أسماؤهم، وبالنسبة للكحلاوى فإنه باستثناء الأغنيات الدينية ومنها «خليك مع الله، ولأجل النبى» فإن تاريخه السينمائى لا قيمة له، وأغلب تلك الأفلام هى عبارة عن أغانٍ فقط كل رابط فيها هو المطرب لا غيره وتصبح القصة مجرد مواقف ساذجة متكررة متشابهة، ومن هنا فإن كتابتنا عن هذا الفيلم ليست بدافع التقويم لكن بقدر نقطة باهتة فى تاريخ السينما وخاصة الفيلم الغنائى فقد تبخر أغلب تراث هؤلاء المطربين ولا يعتبرون موجودين إلا فى اليوتيوب.