البورصة السلعية لمجموعة «بريكس» - مدحت نافع - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 8:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البورصة السلعية لمجموعة «بريكس»

نشر فى : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:15 م

منذ أيام أعلنت وزيرة الزراعة الروسية «أوكسانا لوت» عن دعم دول مجموعة «بريكس» لمبادرة لتأسيس بورصة للحبوب. وحظى المقترح بدعم الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» قبل قمة دول بريكس التى تنعقد فى روسيا فى أكتوبر المقبل. وقالت «لوت» بعد اجتماع لوزراء زراعة دول المجموعة فى موسكو: «سنعمل مع زملائنا على إنشاء وتطوير هذه المنصة وتطوير إمكانية التسوية بالعملات المحلية لدول بريكس».
هنا أود تذكير القرّاء الكرام بمقال لى فى الشروق بتاريخ 12 سبتمبر 2023 تحت عنوان «نحو خارطة طريق لعملة بريكس»، والذى ذكرت فيه نصًا: «لذلك فإن خطة نجاح «بريكس» فى تحقيق حلم الاستقلال المالى، أو فى القليل التوازن المالى بين الجنوب والشمال، يجب أن تسير فى مسارات متوازية على خطى هادئة ومنظمة نستعرضها فى النقاط التالية: «… وكانت النقطة الرابعة هى: إنشاء بورصة «بريكس» السلعية للعقود المستقبلية والخيارات.. ولا بأس أن يكون لتلك البورصة منصة سوقية حاضرة spot market لكن الأهمية الحقيقية لتلك البورصة تنبع من استكشاف وتحقيق أسعار توازنية أكثر عدالة لمنتجات الطاقة والمعادن والسلع الزراعية، الأكثر اعتمادًا على موارد المياه (الأهم عالميا من أى مورد آخر)، والتى تتعرّض لتحديات حقيقية فى ظل تغيّر المناخ. تلك البورصة الجديدة ستدعمها بالتأكيد حصة متزايدة من التجارة العالمية لدول التجمّع (حاليا تزيد قليلا على 18%). لن يقتصر التعامل فى تلك البورصة على دول «بريكس» فقط، فسوف تكون بورصة عالمية مفتوحة لمختلف المتعاملين من شركات الوساطة والعملاء، لكن إدارة السوق ومن ورائها آليات التداول والتسوية واحتساب أسعار الإغلاق.. ستكون فى يد أعضاء «بريكس» الذين يملكون وحدهم تعيين جهات إدارة والرقابة على تلك البورصة، كما يملكون استخدام نظم التداول والإفصاح والرقابة المطوّرة بالدول الأعضاء. فى نهاية الأمر يمكن متابعة وتقييم تجربة إصدار عملة رقمية لتجمّع «بريكس» الموازية من خلال رصد حجم التعاملات والتسويات وإصدارات الدين التى تتم بها تلك العملة، ومساهمتها كمكون فى احتياطات بعض الدول. فإذا بلغ حجمها نسبًا معينة مستهدفة مسبقا، فإنه يمكن الإعلان عن السماح لأى من الدول باستخدامها كبديل لعملتها الوطنية، وفى مرحلة لاحقة اعتمادها كعملة موحّدة لدول التجمّع». انتهى الاقتباس..
• • •
إنشاء بورصة بريكس للعقود السلعية وفق المقترح السابق هو طرح أكثر شمولًا من الطرح الروسى، وقد طرحت فى مقالات ومداخلات عدة فكرة استضافة مصر لتلك البورصة، وهذا بالطبع يستلزم تطوير إمكانات مصر فى إنشاء وإدارة بورصات العقود بصفة عامة وبورصة العقود السلعية بصفة خاصة.
وقد سبق أن تناولت آليات إنشاء وإدارة ذلك النوع من البورصات فى مقالات عدة يرجع تاريخ بعضها إلى عام 2006، لكن أكثر تلك المقالات اتصالا بتفاصيل وتقنيات البورصات السلعية وإمكانات التكامل الإقليمى والعابر للأقاليم يتمثل فى: «البورصات السلعية حديث متجدد» «الشروق فى 7 يناير 2019» و«إطلاق البورصة السلعية» الشروق فى 14 يناير 2020 و«إثيوبيا ودبلوماسية البورصات السلعية» المصرى اليوم فى 5 يوليو 2020، و«البورصة السلعية حديث لا ينتهى» جريدة البورصة فى 4 مايو 2017، و«THE EGYPTIAN COMMODITY EXCHANGE: A STORY TO TELL» مجلة Egypt Today فى 20 يونيو 2017 و«Towards a Unified BRICS Currency» مركز المستقبل فى 28 سبتمبر 2023.
وقد نصحنى الصديق العزيز المستشار «محمود فوزى»، رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى، بإعادة نشر بعض مما ورد بتلك المقالات، حتى يمكن الاستفادة منها لدى تطوير البنى الأساسية للبورصة السلعية المصرية، أو أى تصور آخر لتطوير بورصة سلعية إقليمية. وفى الواقع فقد تكوّنت خبرتى فى مجال البورصات السلعية وعقودها المختلفة مع بداية عملى فى بورصتى القاهرة والإسكندرية (البورصة المصرية حاليًا) منذ عام 2004، وتعمّقت عبر الكثير من الجولات العلمية والدراسات والمؤتمرات والأوراق ودراسات دعم القرار لعدد من الجهات.. وأحب أن أبسط خلاصتها للقرّاء الأعزاء فى عدد من السطور، وربما عدد من المقالات القادمة كلما تيسّر هذا.
• • •
تنشأ البورصات السلعية فى صورة سوق حاضرة أو سوق للعقود الآجلة، وتعرف الأولى على أنها سوق يتم فيها إبرام عقود البيع والشراء للسلع محل التداول مع التسليم الفورى، أما السوق الآجلة فيتم بها إبرام عقود البيع والشراء للسلع محل التداول مع التسليم المؤجل‏ وفقا للتاريخ المحدد بالعقد‏، مثل عقود الخيارات والعقود المستقبلية. وتعد بورصة شيكاغو للسلع أقدم البورصات السلعية على مستوى العالم، حيث تم إنشاؤها عام 1848 تحت مسمى هيئة شيكاغو للتجارة. وقد شهدت تطورًا فى حجم السوق وآليات العمل والسلع محل التداول، وأبرمت العديد من عقود الشراكة والاندماج مع بورصات Chicago Board of Trade فى 2006، وNew York Mercantile Exchange NYMEX عام 2008 وحتى بلغ حجم العقود التى تم تداولها بالبورصة بنهاية عام 2013 نحو 3 مليارات عقد، بقيمة تقدر بمتوسط نحو مليون مليار (كوادريليون) دولار أمريكى سنويا.
الدخول فى شراكات واندماجات بين البورصات لم يعد خيارًا بل هو مسلك جماعى للبورصات الكبرى فى سوق شديدة التنافسية. تعد بورصة يوروكس Eurex إحدى كبرى بورصات العقود والمشتقات على مستوى العالم، وتتكون المجموعة من ISE، والتى تم الاستحواذ عليها عام 2007 بهدف زيادة قدرة المجموعة على المنافسة العالمية، وشركة المقاصة، ومنصة السندات، ومنصة إعادة الشراء. وهو ما ساهم فى زيادة قدرة المجموعة على المنافسة عالميا حيث بلغ حجم العقود التى يتم تداولها بالبورصة بنهاية عام 2013 نحو 2,2 مليار عقد.
• • •
هناك العديد من البدائل التى يمكن أن تنشأ بها بورصة مصر للعقود السلعية والخدمية، أو بالأحرى تطوير البورصة السلعية الوليدة التى أطلقت على استحياء استجابة لنداءات سابقة، لكن بالضرورة قبل ذلك، العمل على توفير عناصر ثلاثة: بنية تشريعية مناسبة، بنية تكنولوجية وفنية متطورة، هيكل الملكية والنموذج المؤسسى والعملى.
بالنسبة للبنية التشريعية: يقترح أن يصدر قرار بقانون من السيد رئيس الجمهورية بإنشاء «بورصة مصر للعقود السلعية» من خلال تطوير البورصة القائمة التى أقرتها اللجنة الوزارية الاقتصادية عام 2020، والتى تعمل حاليًا (قيد التطوير) فى شكل سوق سلعية حاضرة، وذلك بضمان استقلالها، وتوسيع مجالاتها وأدواتها، والسماح لها بتداول مختلف أنواع العقود للسلع والخدمات والمشتقات السلعية والخدمية. ويتضمن القرار كذلك الأحكام المنظمة لإدارتها وشئونها المالية. على أن تتم إقامة الهيكل المؤسسى للبورصة وتنظيم فريق العمل وفق القرار بقانون المشار إليه، تمهيدًا لإصدار قانون تفصيلى عن مجلس النواب، يليه صدور اللائحة التنفيذية عن الوزير المختص، ثم مجموعة القواعد المنظمة لعملها، وذلك كله بالاستفادة من التجربة التشريعية لتنظيم بورصة الأوراق المالية، وتلافيًا للمشكلات التى تنشأ عن ابتعاد الشارع عن مجال العمل المنظم له، وما يستدعيه ذلك من تعديلات كثيرة لاحقة فى القوانين واللوائح والقواعد. ويجب أن تتحقق فى التشريع المذكور المرونة التى تسمح بتكامل تلك البورصة السلعية مع أية بورصة أخرى.

بالنسبة للبنية التكنولوجية: تضمنت جميع التجارب الدولية الحديثة نظما للتداول والتسوية وإدارة المخازن والربط فيما بينها والربط مع المتعاملين داخل وخارج البلاد.. ولما كان الهدف من إقامة بورصة السلع المصرية هو تحويل مصر إلى مركز تجارى دولى كبير فلابد أن تقوم هذه البورصة على أحدث الأنظمة والأجهزة والمعدات. لكن اختيار البنية التكنولوجية مرهون بعدد من العوامل أهمها: اختيار هيكل الملكية والنموذج المؤسسى والعملى المناسب، واختيار شركاء التطوير من بين البورصات السلعية الكبرى، والوقوف على نوع الشراكة مع تلك البورصات، وختاما آليات وبدائل التمويل نظرا لأن المكون التكنولوجى هو الأعلى تكلفة فى إقامة البورصات بوجه عام.
تتعدد صور هيكل الملكية للبورصات، فقد تنشأ البورصة فى صورة كيان مؤسسى حكومى شبه ذاتى التنظيم كالذى تقوم عليه بورصة الأوراق المالية المصرية حاليا، أو بورصة خاصة استنادا إلى أحكام الباب الرابع من قانون سوق رأس المال الصادر برقم 95 لسنة 1992، أو شركة مساهمة مصرية بدون شراكة مع بورصات أجنبية، أو كيان/شركة تضم شركاء من بورصات إقليمية ودولية، مع ضرورة بيان وضع أنشطة المقاصة والتسوية فى النموذج المختار.
وبالنسبة لاختيار المنتجات المزمع تداولها: فيتعين تحديد أهم وأنسب العقود التى تصلح للتداول فى البورصة وفقا لجدول زمنى يبدأ ــ مثلا ــ بتداول البضائع الحاضرة ثم يتسع ليسمح بتداول المؤشرات السلعية والعقود المستقبلية ثم الخيارات وعقود المبادلة السلعية (المفيدة لمصر فى حالة المشتقات البترولية ومبادلتها بمنتجات بترولية مصنّعة). كما يتم الوقوف على أهم المنتجات السلعية القابلة للتداول بالبورصة والتى يراعى فى المقام الأول انخفاض قابليتها للتلف عند التخزين مثل القطن والبطاطس والأرز والقمح والذرة والسكر. ومن المنتجات غير الزراعية: الغاز الطبيعى والزيت الخام والأسمنت والأسمدة والمعادن..
وحال توفير الدعائم الأساسية لإقامة تلك البورصة يمكن أن توفّر مصر منصة خاصة لدول «بريكس» قابلة للتحوّل إلى بورصة مستقلة لدول التجمّع ومقرّها مصر، وفقًا للآلية المشار إليها آنفا.

كاتب ومحلل اقتصادى

 

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات