ماذا عن فخ الاعترافات بـ«الدولة الفلسطينية»؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 7:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا عن فخ الاعترافات بـ«الدولة الفلسطينية»؟

نشر فى : الخميس 1 أغسطس 2024 - 8:00 م | آخر تحديث : الخميس 1 أغسطس 2024 - 8:00 م

انقسمت المواقف العربية من الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية بين من يرى الاعتراف «نصرا لنهج المقاومة»، وبين من يراه «إنجازا معنويا لا يمكن أن يكتمل لأسباب تتعلق بالبنية التحتية للسيادة و/أو لغياب أيديولوجية تستطيع القيام بالدولة ضمن البنية العالمية الحاضرة ورغما عنها».
بعيدا عن هذين الموقفين وتشعباتهما التنظيرية، لا بد أن نُسلّط الضوء على المخاطر المحيطة بهذا النوع من الاعترافات فيما لو تمخّضت عن اعتراف بشرعية دولة فلسطينية فى هذه المرحلة بالذات من تاريخ شعبنا.
مثل هذه الاعترافات حتما ستكون لها تداعيات سلبية على الكثير من القرارات الأممية التى تُقّر بحقوق الفلسطينيين ولا سيما حق العودة وإقامة دولة كاملة السيادة على أرضهم. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحمل هذا الاعتراف الدولى من آثار سلبية على العمل المقاوم للشعب الفلسطينى ضد الاحتلال؛ فالدول التى آثرت الدفع قدما بهذا الاقتراح تمثل جزءا من أزمة الاتحاد الأوروبى أمام رأى عام متبدّل وتدهور الخدمات المؤسسية والصحية والتعليمية فى مختلف دول الاتحاد. أى أن القضية الفلسطينية وضعت الاتحاد الأوروبى أمام خطر تلوح ذروته فى الأفق ألا وهو التقاطع بين تفاقم الأزمات الاقتصادية من جهة ورأى عام شعبى متعلق بسؤال الاستعمار الحديث واقتصاداته من جهة ثانية. وأى قراءة سريعة لتاريخ الضبط الجماهيرى فى مرحلة النيوليبرالية الأوروبية ستدفع بنا نحو النظر إلى «فعل الاعتراف» هذا كأداة ضبط وتقويض لامتداد آثار هذا الامتعاض الشعبى من فضاء حَنَقٍ أخلاقَوى إلى تمرُّدٍ شعبى موجّه ضدّ الدّولة الأوروبيّة وسياستها الداخليّة.
بمعنى آخر، إن هذا الاعتراف هو أداة ثورة مضادّة استباقيّة ضمن فضاء شعبى لم يعرف الانتظام السياسى القاعدى منذ سبعينيات القرن الماضى، أى منذ الانقلابات الكبرى داخل البنى التمثيلية العمالية فى مختلف الدول الأوروبية. لذا نرى أن الدول التى تضمّ (بالمجمل) قاعدة شعبية مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطينى، هى من تولت خط المناورة هذا ضمن معركة السلطات الأوروبية ضد احتمالية التقاطع الأخلاقى الطبقى ذاك، الذى ما زال غائبا لأسباب تتجاوز مساحة المقالة، لكن احتماليته ما زالت حاضرة.
• • •
إن أطر الدعم (للشعب الفلسطينى) تلك لا ترافقها أى سياسات اقتصادية جدية وخطوات سياسية فعلية يمكن من خلالها مؤازرة الحصار الاقتصادى المرتجى ضد آلة الحرب الصهيونية أو مساندة العمل الفدائى الفلسطينى. أى أن اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطينية ليس بداية فعلية لمواجهة الاستعمار الصهيونى ومشروعه القائم على الأرض الفلسطينية، بل هو بمثابة ضربة استباقية تجهز على أى مسعى (قائم أو مستقبلى) نحو إسناد الجبهة التحررية على المستوى القاعدى والمادى من داخل البنية التحتية الأوروبية.

ومن المؤكد أن هذا الاعتراف غير مرحب به من الفلسطينيين المحاصرين منذ عشرة أشهر والذين يواجهون الموت بما تبقى لهم من إرادة الحياة، فالشعب الفلسطينى اليوم ليس بحاجة إلى اعترافات وألقاب وتسميات، وبالطبع غير مستعد للرزوح تحت سلطة فلسطينية بحلّة جديدة تترجم إرادة الترويض الجماعى الأوروبية والأمريكية من خلال مؤسسات بيروقراطية وأمنية ومالية تابعة، تغتال أفق التطور السياسى التحررى الحقيقى للشعب الفلسطيني.
إن إيقاف حملة الإبادة وإدخال المساعدات هو قرار سياسى لا يمكن تحقيقه من دون انتظام قاعدى وحركات عصيان مدنى واضرابات للتجار والعمال الممثلين رسميا داخل الدول الأوروبية التى هاجروا إليها. الإبادة لا تنتهى بضغط شعبى رمزى واعتراف دبلوماسى فارغ؛ الإبادة تنتهى بإزاحة المعركة من أرضنا إلى الجبهة الأوروبية الداخلية.
أما إذا كانت تلك الاعترافات تُشكل تجسيدا لرؤية تلك الدول حول إرساء السلام فى المنطقة فهذا يتطلب أن تستند تلك الاعترافات إلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، وهى كثيرة، ومن شأنها أن توضح جغرافية هذه الدولة وبالتالى حدودها وعاصمتها، عدا ذلك، فإن أى حديث عن دولة فلسطينية اليوم فى ظل المحرقة المستمرة ليس إلا حديثا بلا معنى ومحاولة لصياغة قضايا الحل النهائى على شاكلة الحلول لدى السلطة منذ ثلاثين عاما ومعها تصبح الأراضى المتنازع عليها هى الشغل الشاغل للدولة المنشود!
نضيف، أن الاعتراف بالدولة فى هذا التوقيت من شأنه أن ينعكس سلبا على مقاومتنا الفلسطينية بأطيافها المختلفة، فليس من قبيل الصدفة أن تأتى سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية غداة الاستخدام الاستثنائى لمحكمة الجنايات الدولية للفظة «دولة فلسطين» وللمختصين فى هذا الشأن أن يشرحوا لنا أن البدء فى استخدام ألفاظ تحمل إطارا قانونيا يدل على نية مفادها أن يُعامل الفلسطينيون فى ظل كيانية هذه الدولة كمواطنين مثلهم مثل باقى شعوب العالم مع الابقاء على آلة الحرب التى نشأت من أيديولوجيا تنظر لوجوب إبادتهم.
كل ذلك يمهد الطريق فى المدى المنظور أمام إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق المقاومين الفلسطينين بالتعاون مع مؤسسات الدولة الفلسطينية التى تم الاعتراف بها.
• • •
إذا، الحاجة لوجود دولة قومية معترف بها دوليا هى حاجة لوجود مشبَكٍ قانونى يؤسَر هذا الشعب المستعمَر تحت أحكامه التى تصقلها قواعد لعبة «الحرب على الإرهاب». فكما هو معلوم أن الدولة المعاصرة هى عبارة عن جملة مؤسسات تقبع ضمن فضاء القانون الدولى، وذلك بعيدا عن مفهومنا للدولة كأداة أمنية اقتصادية تُستخدم لضبط العلاقات البشرية داخل جغرافيا معينة وترويض التمرّدات التى قد تنشأ ضمن أطوار تقلبات تناقضاتها الداخلية.
عليه، إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم لن يُوظّف إلا فى خدمة القوى الاستعمارية التى تعمل جاهدة لحل الأزمة على المستوى الاستراتيجى من خلال تأطير الشعب الفلسطينى خارج هويته القانونية بإعتباره مجرد شعب لاجئ، وهو الشعب الوحيد الذى استطاع أن يُحوّل اللجوء من مرتبة قانونية زبائنية خدماتية إلى هوية سياسية لها بعد جغرافى ومحصنة بصكوك دولية دفاعاً عن حقها فى المقاومة والعودة والتعويض وفق قرارات الشرعية الدولية، فمن أجل إلغاء ذلك الإرث واستبعاد تحويله إلى بنود تنفيذية، يتم العمل بشكل حثيث على إرجاع الفلسطينى إلى موقع الزبائنية الدولية والمحلية من خلال تحويله من لاجئ له هوية سياسية مقاومة إلى «مواطن – أو جاليَة» تحت مظلة حكم القانون الدولى.
عالم الشمال يدرك تماما أن الشعب الفلسطينى يحق له استخدام القانون الدولى بطرق لا تستطيع الدولة الاسرائيلية استخدامها، وعليه فالشعب الفلسطينى صاحب اليد العليا على المستوى القانونى كشعب مستعمَر وله كل أبعاد «الحق» فى مقاومة الاحتلال.
أما التسرع فى الاستنتاج بوجود انقسامات فى العالم الغربى إزاء القضية الفلسطينية فقد بدأت ملامحه بالظهور من خلال بعض الاعترافات أحادية الجانب بالدولة الفلسطينية وهو استنتاج متسرع وفى غير مكانه بل هو يُشكّل عقبة فى إمكانية البدء بتحليل جدى للتطورات على الساحة الأوروبية اليوم فالغرب، شعوبا وحكومات، ما زال متمسكا بإسرائيل ولن يتخلى عنها.
وعلى الرغم من التعاطف مع الشعب الفلسطينى والتباكى عليه، وعلى الرغم من استياء بعض الدول الغربية من سياسات إسرائيل وسلوكياتها الـ«مفرطة» إلا أن الجميع يجمع على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، فمعالجة الأزمات بالأزمات أو ما نسميه «الإدارة بالأزمات»، هو فعل ملازم لسياسة الدول الغازيَة فى رسم علاقتها مع الشعوب المغزُوَّة.
• • •
خلاصة القول، إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو بمثابة فخ دولى يسعى إلى تقويض استباقى لنهوض حركة التحرر الوطنى الفلسطينى من جديد خارج سياق الانعزالية الهوياتية القُطرية منها و/أو الدينية فى مرحلة ما بعد انفكاك قيادات المقاومة العسكرية عن قواعد اللعبة السياسية التبعيّة فى المنطقة. أما الاحتفاء بمشهديات التضامن والصحوات الأكاديمية والاعترافات الدبلوماسية والمحاكم الدولية فليس إلا مجرد تشويش مشهدى يختزل مضامين المعركة ويزيد من ضبابيّتها.. لا بد من إزاحة جغرافيا المعركة بأى ثمن.

مايا نشأت زبداوى
موقع 180
النص الأصلى
https://rb.gy/s4uhya

التعليقات