بدأت عملية مخيمات الصيف بتحركات إسرائيلية موسعة فى الضفة الغربية فى محاولة لمنع ما وصفته إسرائيل بانفجار الضفة بعد محاولات إيران إشعال هذه الجبهة كنوع من الرد على اغتيال إسماعيل هنية «رئيس المكتب السياسى» لحركة المقاومة الإسلامية حماس «سابقًا» وكذلك فى إطار استنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلى وتشتيت قدراته تارة عن طريق حزب الله فى عملية موسعة شنها الحزب خلال الأسبوع الماضى وتارة عن طريق تحريك فصائل المقاومة لشن عمليات «فردية» فى الضفة الغربية.
أعلن الجيش الإسرائيلى فى سياق استمرار مسلسل الاغتيالات ــ مقتل قائد كتيبة طولكرم محمد جابر والملقب بـ «أبو شجاع» بالإضافة إلى أربعة مسلحين آخرين، خلال اشتباكات مع أفراد الوحدة الشرطية الخاصة. وأوضح الجيش الإسرائيلى أن «أبو شجاع» كان «قائد كتيبة طولكرم» وذلك فى مخيم نور شمس، وكان متورطا فى العديد «من العمليات الإرهابية» حسب الاحتلال الإسرائيلى، ومن ضمنها عملية إطلاق النار فى شهر يونيو الماضى والتى أسفرت عن مقتل المواطن الإسرائيلى أمنون مختار.
كما أعلنت هيئة شئون الأسرى والمحررين ونادى الأسير الفلسطينى، أن قوات الاحتلال الإسرائيلى اعتقلت 20 مواطنا فلسطينيا على الأقل، من بينهم أطفال، منذ بدء عدوانها الواسع على الضفة الغربية فجر الأربعاء الماضى.
أما حصيلة العمليات الإسرائيلية فى الضفة الغربية فقد وصل عدد الجرحى إلى 20 شخصا حسبما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطينى يوم الخميس الماضى، كما ارتفع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا فى الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضى إلى 663 قتيلا ونحو 5600 إصابة.
حذرت وزارة الصحة الفلسطينية من حصار الجيش الإسرائيلى للمستشفيات فى جنين وطولكرم، وقالت إن الجيش يقوم بتفتيش جميع المركبات المتجهة إلى المستشفيات، مما يعيق عمل الطواقم الطبية ويهدد حياة المصابين. وقامت القوات الإسرائيلية باحتجاز الكوادر الطبية فى مخيم الفارعة فى طوباس عند اقتحامها للمخيم، ومنعت مركبات الإسعاف من دخول المخيم أو الوصول إليه.
• • •
تبقى الخيارات المتوافرة أمام المقاومة للرد على عمليات الاقتحام الموسعة لمخيمات فى الضفة الغربية فى أكبر عملية عسكرية ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 2002 محصورة فى خيارين، حيث يتوجب على الفصائل الفلسطينية تشكيل لجان مقاومة شعبية لحماية البلدات والمخيمات والاشتباك مع المستوطنين وجيش الاحتلال، إضافة إلى ضرورة التحضير لانتفاضة ثالثة بمقاربة جديدة.
ذلك لأن ما يحدث فى الضفة الغربية حاليًا هو جزء من مخطط أكبر تم الإعلان عنه من خلال تصريحات وزير المالية المتطرف سموتريش، ولسوء الحظ فإن ما يصرح به سموتريش أو إيتمار بن غفير على فظاعته وتطرفه يتم التعامل معه كسياسة داخل الائتلاف الحكومى الذى يحكم إسرائيل حتى عام 2026 إذا لم يؤدِ حدث ما إلى الإطاحة بهذا التحالف الأكثر تطرفًا فى تاريخ دولة الاحتلال.
وما يعد خطيرا فى ممارسات الاحتلال الإسرائيلى منذ عملية طوفان الأقصى أن العمليات تتم على مسارين، المسار الأول عبر قوات الاحتلال الإسرائيلى والآخر عبر المستوطنين المتطرفين الذين تم تسليحهم بشكل كبير بعد أربعة أشهر من الحرب فى غزة من خلال صفقة عقدها إيتمار بين غفير وزير الأمن القومى مع الولايات المتحدة. وذلك إضافة إلى عمليات عسكرية خاصة نفذت فى مخيمات جنين ونور شمس وغيرها. حيث يمكن وصف عملية مخيمات الصيف بأنها موسعة جغرافيا، وأيضا من حيث حجم القوات المشاركة وطريقة التعامل، كان هناك عملية إسقاط جوى نفذها جيش الاحتلال بغرض الإرهاب واستعراض القوة.
على الرغم من أن بعض التقديرات قد ذهبت إلى أن إسرائيل تريد السيطرة على الضفة الغربية وبدء مخطط التهجير القسرى هناك فإنه ليس من دواعى المنطق أن ما فشلت إسرائيل فيه فى غزة سوف تنجح فيه فى الضفة الغربية، مع الأخذ بالاعتبار أنها واجهت مقاومة أشرس فى قطاع غزة فى الوقت الذى سوف تواجه فيه إسرائيل فى الضفة مجموعة من الشباب المقاتلين نظموا أنفسهم هناك ضمن كتائب صغيرة وبقدرات محدودة، لذلك فإنه من غير الوارد الدخول بمعارك طاحنة مثلما جرى فى قطاع غزة.
• • •
اجتذبت العمليات الإسرائيلية فى الضفة الغربية العديد من ردود الأفعال المنددة على المستويين الإقليمى والدولى حيث أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قيام القوات الإسرائيلية بعمليات عسكرية واسعة النطاق فى محافظات جنين وطولكرم وطوباس شملت شن غارات جوية مما أدى إلى وقوع خسائر فى الأرواح، بما فى ذلك بين الأطفال وإلحاق ضرر بالبنية التحتية المدنية، ودعا إلى وقف فورى لتلك العمليات.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، دعا الأمين العام، إسرائيل إلى الامتثال لالتزاماتها ذات الصلة بموجب القانون الدولى الإنسانى واتخاذ تدابير لحماية المدنيين وضمان سلامتهم، وحث قوات الأمن الإسرائيلية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وعدم استخدام القوة المميتة إلا فى حال عدم التمكن من تجنبها من أجل حماية الأرواح. وشدد «جوتيريش» على ضرورة أن يتمكن جميع الجرحى من الوصول إلى الرعاية الصحية وأن يتمكن عاملو الإغاثة من الوصول إلى جميع المحتاجين للمساعدة، وأكد أن هذه التطورات الخطيرة تشعل الموقف المتفجر بالفعل فى الضفة الغربية المحتلة ويزيد تقويض السلطة الفلسطينية.
وفى نفس السياق قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تشعر بقلق بالغ إزاء الحفاظ على الاستقرار فى الضفة الغربية. وأضاف: نحن ندرك الاحتياجات الأمنية الحقيقية لإسرائيل، والتى تشمل مكافحة «النشاط الإرهابى» فى الضفة الغربية على حد قوله، مضيفا «فى الوقت نفسه، ما زلنا نصر على أن تتخذ السلطات الإسرائيلية التدابير اللازمة لحماية جميع المدنيين من الأذى فى الضفة الغربية ــ تماما كما نحثهم على القيام بذلك فى غزة"».
كما أصدرت إدارة بايدن الدفعة السادسة من العقوبات التى تستهدف عنف المستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية، حيث أدرجت على القائمة السوداء مجموعة تضم حراسًا متطوعين للبؤر الاستيطانية غير القانونية وحارس أمن مدنى لمستوطنة مشتعلة شاركت فى الهجمات ضد الفلسطينيين.
• • •
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى أن الهدف من عملية مخيمات الصيف هو القضاء على البنية التحتية العسكرية للفصائل والتى باتت تشكل تحديًا حقيقيًا لفرض الأمن فى الضفة الغربية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن تل أبيب ربما تستهدف ما هو أبعد من ذلك ويرتبط بمشروع التهجير. وفى هذا السياق فإن مخطط التهجير لن يتوقف عند غزة والضفة ولكنه سيطال عرب 48، ونتنياهو يتذرع حاليا بحديث دونالد ترامب عن أن الوقت قد حان لتوسيع إسرائيل.
والحل الرئيسى لا يمكن تجاوز الداخل الفلسطينى فيه من حيث ضرورة الالتفات إلى الوضع الداخلى وإنهاء الانقسام وصياغة مشروع وطنى جامع، وفى التوقيت الحالى فإنه يجب ألا تفلح مساعى تل أبيب فى تكريس الانفصال بين الضفة وغزة.
خاصة أن الاحتلال يوظف كل طاقاته لكسر المقاومة بكل فصائلها سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية، حيث تنتهج إسرائيل مؤخرا تكتيكا جديدا لمواجهة المقاومة الفلسطينية فى الضفة الغربية، عبر استخدام «المسيرات».
وقد فوجئ سكان مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم شمالى الضفة الغربية المحتلة، مساء الإثنين الماضى، بسماع أصوات أربعة انفجارات متتالية ناتجة عن قصف إسرائيلى عبر طائرة مسيرة، أدت لاستشهاد 5 فلسطينيين. حيث لم تكن عملية الاغتيال هذه فى نور شمس الأولى فى الضفة الغربية ولا حتى فى المخيم نفسه، غير أن الجيش الإسرائيلى صعَّد من عمليات القصف الجوى فى الأشهر الأخيرة. وبأدوات بسيطة، يحاول المقاومون فى مخيمات شمالى الضفة التشويش على سلاح الجو الإسرائيلى عبر نصب غطاء (شوادر) يغطى أزقة وشوارع المخيمات.
وعادة ما تتعرض الآليات العسكرية الإسرائيلية المقتحمة لمخيمات شمالى الضفة لتفجير عبوات ناسفة تسفر عن تدميرها أو عطبها وإصابة جنود، وأحيانا مقتلهم. وبشكل عام فإن الجيش الإسرائيلى يرى فى عملياته عبر سلاح الجو حماية للجنود وتوفير عناء تنفيذ عمليات برية بقوات مدرعة قد تتعرض لمقاومة وتفجير لآلياته، وفيه إنجاز المهام بسرعة فائقة. وهو ما يشير ضمنيا إلى تنامى قوة الفصائل الفلسطينية إلى الحد الذى يجعل من الصعوبة تنفيذ تل أبيب لعلميات اقتحام برية خوفا من الخسائر ولكن من دروس الماضى فإن الفصائل سوف تتكيف مع هذا النوع من التغير العملياتى فى تدخل الجيش الإسرائيلى فى الضفة.
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
النص الأصلى
https://rb.gy/ey1ykc