فى عصر التكنولوجيا المتقدمة، أصبح الذكاء الاصطناعى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، متجاوزًا التطبيقات التقليدية، ليصل إلى مجالات الحشد والمناصرة والدفاع عن القضايا الإنسانية، فالقضية الفلسطينية، بما تحمله من تعقيدات سياسية وإنسانية، استفادت بشكل متزايد من هذه التقنيات الحديثة لتعزيز حملات الدعم والمناصرة على المستوى العالمى.
وهنا نسرد أبرز تدخل تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى حملات الحشد والمناصرة الخاصة بقضايا الشعب الفلسطينى.
أولًا، الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات واستهداف الجمهور: يستخدم الذكاء الاصطناعى بشكل فعال فى تحليل البيانات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فمن خلال تتبع أنماط التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعى وتحليلها، يمكن للذكاء الاصطناعى تحديد الجمهور المستهدف بدقة. على سبيل المثال، يتم تحليل الكلمات المفتاحية والهاشتاجات المرتبطة بفلسطين لتحديد الجماهير المهتمة بالقضية، ما يساعد فى تصميم رسائل مخصصة تعزز من وصول الحملات إلى الفئات المستهدفة.
ثانيًا، إنشاء محتوى رقمى تفاعلى: التقنيات التوليدية مثل ChatGPT والنماذج اللغوية الأخرى تلعب دورًا حيويًا فى إنتاج محتوى رقمى متنوع، يشمل النصوص والصور والفيديوهات. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى لإنتاج فيديوهات توعوية حول معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، تُظهر الحقائق باستخدام تقنيات الواقع الافتراضى والواقع المعزز مثلًا، فهذه المحتويات تجعل القضية أكثر قربًا من قلوب الجماهير العالمية، حيث يشعر المشاهد وكأنه يعيش التجربة بشكل مباشر.
- تحليل المشاعر لتعزيز الرسائل، أحد أهم استخدامات الذكاء الاصطناعى فى حملات المناصرة هو تحليل المشاعر، من خلال هذه التقنية، يمكن قياس ردود أفعال الجمهور تجاه محتوى معين وتحديد مدى تأثيره، فعلى سبيل المثال، إذا أظهرت التحليلات أن فيديو معين أثار تعاطفًا كبيرًا، يمكن تصميم محتوى على نمطه لتعزيز هذا التأثير، تحليل المشاعر يُمكّن أيضًا من تحسين استراتيجيات التواصل لضمان أن الرسائل تصل بأكثر الطرق فعالية.
ثالثًا، الروبوتات والدردشة التفاعلية: تُستخدم روبوتات الدردشة التفاعلية (Chatbots) فى التواصل مع الجمهور والإجابة عن استفساراتهم حول القضية الفلسطينية، وهذه الروبوتات مُبرمجة لتقديم معلومات دقيقة ومحدثة حول الأحداث الجارية، ما يُعزز الوعى بالقضية ويُبقى الجمهور على اطلاع دائم. كما أنها تُستخدم فى جمع التبرعات من خلال توفير طرق سهلة وآمنة للتبرع عبر الإنترنت.
رابعًا، الذكاء الاصطناعى فى كشف التحيز الإعلامي: الإعلام يلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل الرأى العام، وغالبًا ما تُعانى القضية الفلسطينية من التحيز فى التغطية الإعلامية، فالذكاء الاصطناعى يُمكن أن يُستخدم لكشف هذا التحيز من خلال تحليل محتوى الأخبار وتحديد الأنماط التحيزية، فعلى سبيل المثال، يمكن للنظم الذكية مقارنة التغطية الإعلامية للأحداث فى فلسطين مع تغطية أحداث مشابهة فى مناطق أخرى، ما يُظهر ازدواجية المعايير ويُعزز من قوة الحجة الفلسطينية.
خامسا، الحشد الرقمى وتنظيم الحملات: يسهم الذكاء الاصطناعى فى تنظيم الحملات الرقمية بطريقة أكثر كفاءة، فباستخدام تقنيات التعلم الآلى، يمكن التنبؤ بأفضل الأوقات لنشر المحتوى وضمان وصوله إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، حيث إن الذكاء الاصطناعى يمكنه تعديل الاستراتيجيات استنادًا إلى البيانات الفورية وردود أفعال الجمهور.
سادسًا، دعم صناع القرار والمنظمات الحقوقية: تستفيد المنظمات الحقوقية وصُنّاع القرار من أدوات الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات الميدانية وإعداد تقارير موثوقة، وتُستخدم هذه البيانات كأدلة فى المحافل الدولية وتعزز من الجهود الدبلوماسية لدعم القضية.
تحديات استخدام الذكاء الاصطناعى فى القضية الفلسطينية
رغم الإمكانات الهائلة التى يقدمها الذكاء الاصطناعى، فإن هناك تحديات تواجه استخدامه فى دعم القضية الفلسطينية. من أبرز هذه التحديات:
أولًا، التحكم فى الخوارزميات: العديد من المنصات التى تعتمد على الذكاء الاصطناعى تخضع لتحكم جهات قد تكون متحيزة ضد القضية الفلسطينية.
ثانيًا، التمويل: تطوير تقنيات متقدمة يتطلب موارد مالية كبيرة، وهو ما قد يكون عائقًا أمام المنظمات الفلسطينية الصغيرة.
ثالثًا، الأمن السيبرانى: الحملات الرقمية عرضة للهجمات السيبرانية التى قد تُعرقل جهود المناصرة.
وعليه يُعد الذكاء الاصطناعى أداة قوية يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا فى حملات الدعم والحشد والمناصرة للقضايا الإنسانية، بما فى ذلك القضية الفلسطينية، فمن خلال تسخير هذه التقنيات بشكل استراتيجى، يمكن تعزيز الوعى العالمى بالقضية، كشف التحيزات الإعلامية، وتحقيق تأثير أكبر على المستوى الدولى. ورغم التحديات، يظل الذكاء الاصطناعى فرصة واعدة لتعزيز الجهود المبذولة فى سبيل تحقيق العدالة للشعب الفلسطينى.
عبدالرحمن الخطيب
جريدة القدس الفلسطينية