يوضح الكاتب مروان إميل طوباسى أن الدعوة الصادرة من إحدى المعارضين الإسرائيليين لتشكيل لجنة ثنائية لبناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبدو فى ظاهرها محاولة للبحث عن حلّ للصراع، لكنها تتجاهل جذور المشكلة، وهى الاحتلال الإسرائيلى والاستيطان وإنكار حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم. فالثقة لا تُبنى فى ظلّ نظام استعمارى استيطانى يرفض الغير، ولا يمكن الحديث عن أى خطوات نحو «السلام» دون الاعتراف بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطينى.
إذا كانت هذه الدعوة للسلام صادقة، فإن أولى خطواته يجب أن تكون حثّ المجتمع الإسرائيلى على الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى الحرية والسيادة والاستقلال الوطنى، وإنهاء الاحتلال بأشكاله كافة، بما يشمل وقف الاستيطان وإنهاء مظاهره منذ بداياته، ورفع الحصار عن غزة، ووقف سياسات الإبادة والتهجير القسرى والاقتلاع العرقى فى غزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
الحديث عن بناء الثقة وكأنه مسار مستقل عن إنهاء الاحتلال هو فى جوهره هروب من المسئولية، ووضع الفلسطينيين والإسرائيليين على قدم المساواة فى تحمل مسئولية الصراع، بينما الحقيقة أن إسرائيل هى القوة المحتلة والتى تضطهد شعبا آخر هو صاحب الأرض الأصلانى، وهى التى تمارس الاستيطان الاستعمارى والتمييز العنصرى، وتفرض واقعا استعماريا إحلاليا لا يترك مجالا لأى ثقة أو شراكة حقيقية.
فى ظلّ صعود الفاشية داخل إسرائيل، والانقلاب على ما تُسمى بالديمقراطية، فإن الحديث عن وجود معارضة إسرائيلية حقيقية يصبح موضع شكّ. فقد باتت قوى «المعارضة التقليدية» متفقة على استمرار الاحتلال والاستيطان، بل إنها لا تملك أى موقف جادّ ضد السياسات العنصرية والاستعمارية للحكومات المتعاقبة.
إن تكرار مشاريع «التعايش» و«بناء الثقة»، دون إنهاء الاحتلال أولا، ليس سوى محاولات لتشويه طبيعة الصراع وإضعاف حركة التضامن الدولى المتصاعدة مع القضية الفلسطينية التحررية. الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى مشاريع رمزية توحى بأن الاحتلال يمكن أن يكون «لطيفا» أو «مؤقتا»، بل إلى اعتراف دولى واضح بضرورة تفكيك النظام الاستعمارى بالكامل.
إن التعامل مع إسرائيليين «معارضين» ليس مرفوضا بالمطلق، وهو أمر يبتعد عن الواقعية السياسية، لكنه يجب أن يكون وفق أسس سياسية واضحة تنطلق من معاداة المنظومة الاستعمارية ككلّ، وليس من منطلقات تحسين صورتها أو محاولة إصلاحها من الداخل. على هؤلاء المعارضين أن يعلنوا عن موقفهم بوضوح تجاه الاحتلال والاستيطان والتهويد، وإقامة أوسع جبهة جماهيرية مع القوى العربية فى إسرائيل للعمل من أجل ذلك، وإلا فإنهم يصبحون جزءًا من المشكلة وليس الحلّ. إن التاريخ علمنا أن الصمت والتواطؤ مع الأنظمة الفاشية يؤدى فى النهاية إلى كوارث لا تقتصر على شعب بعينه، بل تطال الجميع.
إن الطريق إلى السلام لا يمرّ عبر لجان رمزية، بل عبر إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف. حينها فقط يمكن الحديث عن سلام عادل تحتاجه شعوب المنطقة دون شك بعد أكثر من مائة عام منذ بدء المشروع الاستيطانى على أرض فلسطين، وليس عن إدارة استعمارية جديدة بقناع مختلف.
مروان إميل طوباسى
جريدة القدس الفلسطينية