حسب آخر المنشورات العلمية المصحوبة بصور الأقمار الصناعية وصور مباشرة للأضرار التى ضربت مدينة الإسكندرية خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، بسبب توابع التغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط ارتفاعًا خطيرًا مصحوبًا بعواصف تزداد شدة كل عام، وذلك على شبكات الإنترنت من منظمة الأمم المتحدة (التقرير الأزرق الصادم والصادر فى مايو ٢٠٠٧ وعلى غلافه صور الأقمار الصناعية لسواحل مدينة الإسكندرية كمثلٍ صارخ للذى سيحدث لكامل المدن الساحلية حول العالم).
كذلك المنشورات العلمية الصادرة عن جامعة ييل الأمريكية وجامعة جنوب كاليفورنيا والجامعة التكنولوجية بميونخ، وهى التقارير التى سجلت انهيار مائتين وتسعين عقارًا خلال سنين القرن الحالى، بسبب غرق أساساتها والتربة أسفلها لزحف أمواج البحر حتى أسفلها، وهو ما يهدد اليوم حوالى سبعة آلاف عقار آخر على الساحل بالانهيار.. فما توابع التغيرات المناخية على مصر؟
بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات والبحار ستنتشر ظاهرة ابيضاض وموت الشعاب المرجانية وهى من أهم عناصر الجذب السياحي، وستجف شجيرات المانجروف والتى تنتشر فى ظاهرة طبيعية نادرة أقصى الحدود الجغرافية لها على الكرة الأرضية، أيضًا ستتسبب التغيرات المناخية فى عدة عوامل أخرى مثل العواصف والسيول العارمة والحرائق المدمرة، كما سيرتفع منسوب البحار حوالى مترين ولنتخيل توابع ذلك على المدن الساحلية.
يدفعنا ذلك دفعًا لمراجعة أفكار واقتراحات ودراسات العلماء التى وضعت خلال الثمانين سنة الماضية، وبهذا الصدد أرى أن أفضل مثل واقعى وعملى هو التقرير الذى أعاد فتحه لتذكرة العالم به فى المؤتمرات الدولية العالم المصرى الدولى الدكتور، محمد عبدالفتاح القصاص، أول رئيس ينتخب من الدول النامية ليتولى رئاسة الاتحاد الدولى لصون الطبيعة لدورتين من عام 1978 حتى عام 1984.
يشمل التقرير علاجًا مؤكدًا يقلل الخسائر المتوقعة ليس لمصر فقط بل لدول حوض البحر المتوسط والبحر الأسود السبعة والعشرين، وأيضًا دول البحر الأحمر، وهو إحياء وتفعيل للمشروع الذى وضعه المهندس الألمانى هيرمان سورجيل عام 1928 والخاص ببناء سد وهاويس بمضيق جبل طارق وهو مضيق محصور بين جنوب غرب القارة الأوروبية وشمال غرب القارة الإفريقية عرضه 14 كيلومترًا وربع، ليفصل بين المحيط الأطلنطى والمتوسط، وبناء سد وهاويس عند مدخل قناة السويس الشمالى ببورسعيد، والذى يبلغ عرضه حوالى 19 كيلومترًا ونصف الكيلو، وهو ما سيوفر الجهد والمال لجميع دول المنطقة، فبدلًا من تخصيص ميزانيات تتعدى بلايين الدولارات لبناء الجدران الفاصلة والسدود لآلاف الكيلومترات أمام سواحل كل دولة يتم الاتفاق على مساهمة مناسبة من السبع والعشرين دولة فى هذا المشروع الدولى العملاق للسيطرة على مستوى مياه البحر المتوسط، ما سيعود بمنافع هائلة لدول الحوض ودول حوض البحر الأسود.
أيضًا إحياء المشروع الثانى والموازى والخاص ببناء سد وهاويس عند مضيق باب المندب ليفصل بين المحيط الهندى والبحر الأحمر. مع إشارتى إلى أن الهندسة الحديثة يمكنها اليوم التغلب على مشكلة تحرك وابتعاد صفائح وطبقات القارة الإفريقية عن الجزيرة العربية. وقد ذكرت كامل هذه التفاصيل حينما كنت ممثلًا عن مصر خلال مؤتمر دافوس فى أكتوبر من عام ٢٠٠٧. مع وجوب ذكر أن علماء مصر قدموا تقارير واقتراحات ووقائع مؤكدة طوال العشرين سنة الماضية، وهم الدكتور القصاص، والدكتور مصطفى طلبة والذى انتخب رئيسًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة من عام 74 حتى 1992، كما شغل طلبة منصب رئيس اللجنة التيسيرية لمشروع البلاغ الوطنى الأول والثانى المعنى بإعداد مصر لمواجهة التغيرات المناخية (رغم الجهد العلمى الهائل الذى بذلته هذه اللجنة فإن ملفاتها ودراساتها تم تجاهلها تمامًا للأسف)، والنتيجة تصعقنا وتذهلنا وكأننا لم نتوقع، فعلى سبيل المثال وبعد عشرين عامًا من إنذارات وتقارير ومقالات علمائنا الأجلاء أسجل الظواهر المناخية الشاذة التى ضربت مصر خلال الخمس والعشرين سنة الماضية والتى صدمتنا.
أسجل ما حدث بمحافظة أسوان يوم 13 نوفمبر 2021 من أعاصير كاسحة اقتلعت الأشجار وعواميد إضاءة الشوارع والطرق وأبراج الكهرباء والاتصالات، وثلوج وأمطار غزيرة للغاية جرفت وهددت عددًا كبيرًا من المساكن، وشلت سبل الحياة اليومية، حيث انقطعت الكهرباء تمامًا عن المدينة وتوقفت المخابز ودمرت مساحات من الطرق وأغرقت وفتحت المقابر، ما كانت نتيجته أن جثث الموتى طفت وانتقلت لعدة مواقع بعيدًا عن المدافن، كما دفعت السيول مئات من العقارب والأفاعى السامة إلى وسط المساكن لتقتل ثلاثة مواطنين وتلسع أكثر من خمسمائة مواطن ليتم نقلهم وسط هذه الظروف البالغة السوء إلى المستشفيات لإنقاذهم بالحقن وبالأمصال المضادة لسمومها.
نفس الكوارث البيئية ضربت عدة مدن بمحافظة البحر الأحمر ولن أخوض فى التوابع الصادمة والتى ستضرب مصر خلال السنين القادمة إذا لم نتحرك للمواجهة.. وهنا أكرر وكأننا لم نتوقع ولم نعلم للأسف.. واجب إصدار قرار بتشكيل مجلس قومى رفيع المستوى نافذ القرارات يجتمع بجدية والتزام كاملين، مهمته الوحيدة مواجهة ظاهرة الاحتباس الحرارى والتغييرات المناخية، والعمل من اليوم حيال سن القوانين المناسبة لاعتمادها من مجلس النواب، وإعداد سواحل مصر بالإنشاءات وبالتخطيط الهندسى العملى المناسب لحماية مصر من هذه الكارثة المؤكدة والمتفاقمة والتى تزحف ببطء على الأراضى المصرية وبدأت توابعها تظهر بوضوح فى دلتا النيل وسط أخصب الأراضى الزراعية.. من المؤكد أن الحل المثالى هو التعاون الدولى مع دول حوض البحر الأبيض والأسود والأحمر لبناء سدود دولية عند المضايق لإنقاذ سواحلنا وسواحل هذه الدول. وهذا نداء وطنى مخلص. وحسب علمي هناك مؤسسه دولية تلقب (الاتحاد من أجل المتوسط) أعضاؤها ممثلون من كامل دول حوض البحر المتوسط، وأمين عام الاتحاد السفير المصري ناصر كامل.