نشرت صحيفة النهار اللبنانية مقالا للكاتبة سارة الدّنف، انتقدت فيه الطريقة التى يتم بها الاحتفال باليوم العالمى للمرأة، بسبب التناقض الصارخ بين التصريحات الداعمة للمرأة والواقع الذى تعيشه من القمع والتمييز. دعت الكاتبة المرأة فى ختام المقال إلى التمرد على الأدوار المفروضة عليها، وأن تجعل حريتها هى القضية الأولى… نعرض من المقال ما يلى:
كيف أمضيتم اليوم العالمى للمرأة؟ ذرفتم الدموع فوق الزهور الذابلة؟ احتفلتم بزميلاتكم وكلّ النساء اللائى يعترضن طريقكم فى الحياة؟ لكم، ولمنشوراتكم، وكذبكم وأشعاركم أقول: أبغضكم، وكلّ ما يرتبط بكم.
لكم أقول: عندما تقرّرون الاحتفال بنسائكم، أعيدوا النظر إلى المنازل الّتى جئتم منها، تلك الّتى لم تُبنَ سوى على أجساد أمَّهاتكم الفاقدات للحياة، الأمهات اللواتى قُتِلنَ ــ الله أعلم كم مرّة ــ كى تجيدوا تمثيل مسرحيّاتكم المتعاطفة، المتعالية، المتحاذقة، والذُّكورية خلف السَّتائر والأقنعة.
لقد أمضيتُ أغربَ يوم عالمى للمرأة فى حياتى. فهذا الثامن من مارس الّذى نسيتم ربّما اليوم رمزيّته، قد زادنى، بعد أن مرّت رتابته المزرية بضغوطاتها وأصواتها، تطرّفًا. ودفعنى إلى أن أرتمى فى هذا المكان الصّاخب، كى يتسنّى لى إفراغ كلماتٍ تعذّر إسقاطها دموعًا رغم تلك الّتى ذرفت واحتضنت من لا تستطيع إنقاذها.
فعالمكم المبنى كما هو، دون إضافات، قائمٌ بحدّ ذاته على المرأة المُمزَّقة والمكسورة. ليس لأنها ضعيفةٌ، بل لأنّ الحياة متواطئةٌ ضدّها منذ الأزل. فحتّى أدوارها الأكثر نُبلًا ليست سوى فصل آخر من قمع متوارثٍ، مصدره رَحمٌ، لا يَرحَمُها. ولأولئك اللواتى يمتعضن مما قد يبدو لهنّ دور الضّحيّة أقول، أنتنّ، تذكّرننى بالرّأسماليين، والإقطاعيين، وقهقهات السُّلطة اللّعينة، وحديثى الثّراء. تذكّرننى، بأولئك الذين يمجدون رأس الهرم متناسين من يقف عليه. أنتنَّ كما هم. نجحتنّ بالوصول فلبستنّ بزّات الرجال وبصقتُنَّ، معهم، بل خلفهم، على بنات جنسكنّ اللّواتى أضلّهن طريق الحرية، ومرّ بهنّ مُرًّا، بحياة جهنمية لا يحسدن عليها.
لست ساذجة البتة، ورؤيتى للعالم لم تكن للحظة وردية أو مثالية، فما احترفت شيئا فى حياتى بقدر التشاؤم والسوداويّة. إلا أننى، وبالرّغم من درايتى بكلّ الفظائع التى تلاحق النساء فى العالم بأسره، من أفغانستان، حتى السودان، فأوروبا والولايات المتحدة، حيث يدبّ الحنين الجارف للذكورية وطاقتها المفقودة، تلك التى لم ننعم بإسكاتها سوى بضع سنوات، ما زلت، فى كل مرة أستمع لتجربة إحداهُنّ أرتجف، وأنتفض على شكل واقع لا يريد أن يعترف أو يتنازل عن بعضٍ من امتيازاته ليتساوى طرفا الميزان الاجتماعى المخلوع من منتصفه.
وللباقيات ممّن يتردّدن أمام النّسوية، أسأل، أما زلتنَّ تصدقن مهزلة الحب والزواج، والعائلات السعيدة؟ بصدق، ما الذى يدفعكن للانخراط فى دورة الروليت الغريبة تلك، ألا تخشين على أنفسكن من الخسارة؟ أنتنّ اللّواتى تمتلكن الحقّ فى الاختيار، أتصدّقن فعلا أن هذه المؤسسة، أو ذلك الشعور الأرعن الذى لم نعرف له تفسيرا سوى بروايات وأفلامٍ مُشلّعة وقاسية، قد يحمل لكنّ شيئًا من الهرب أو النّجاة؟ أما زلتن حقّا تردن الدفاع عن الأنوثة التى "قتلناها" نحن النّسويات، من أجل رخاء المطبخ، وأسرّة الجنس والإنجاب، وأسطورة الرّجل الوفى؟ أَجِبنَ عن سؤالى، وكنّ صريحات، بلا تخفّ، أو رهبة أمام الكلمات: هل تستمتعن بالخضوع؟
أحاول أن أخبرك بأن سعادة العائلات المثالية مزيفة، وأن ما من امرأة تعيش النعيم الذى تتصورينه. التضحية موجودة فى الحالتين، بشريك وبدونه، لذا بدلا من أن تُضحى من أجل المجهول، كونى لنفسك القضية الأولى، وتجنّبى طريق الميسر المحفوف باللايقين. خوضى معاركك. انظرى للنساء من حولك، وإيّاك أن تغضّى البصر عن الأخطاء، أو أن تظنّى لثانيةٍ أن حياتك ستكون استثناء، فالعالم على ما هو عليه، حتّى وإن بنيتِ فيه قوقعتك الخاصة مع من سيبدو لك لفترة معينة الشريك الأنسب. ما دام الوضع هكذا، وعوضًا عن السّير خلف القطيع الذى يزيد أحوالنا ازدراء، بوسعنا، على الأقل التوقف وعدم تكرار تلك المسرحيات. أشعروهن بأنكن تستطعن ضرب الحياة معهم عرض الحائط، ما داموا يرون فى ــ العرض ــ أداة إخضاعكنّ.
سمعت فى إحدى المقابلات التلفزيونية، مناضلة نسوية فرنسية تقول بأن «أفضل نسوية، هى النسوية الميتة، ففى كل مرة تطالب المرأة بحقوقها اليوم، نتحسّر على نسويات الماضى باعتبارهن محقات أكثر»، إلا أن ما يغيب عن أذهان الكثيرين، أن المطالب هى هي، لم تتغير البتة، بل تستخدم «كبش فداء» لأى تغير سياسى، حتى يصح القول إن رجال السّلطة والدين على حد سواء، مرضى فى الميسوجينية ولا يريدون سوى عالم نساؤه جوارٍ.
اليوم، أضحى الوضع مقلقا أكثر من أى وقت مضى، خاصة أن المجتمع الدولى قد أثبت أنه أبرع المتفرجين صمتا، وأن أسياد العالم «يمينيّو الهوى»، فما بقى لنا إلا أنفاسنا، إما نخنقها وإما نطلق لها العنان.