وقعت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولى بقرض جديد هو ثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى مليار دولار آخر من برنامج مواجهة الأزمات فى الصندوق، وخمسة مليارات إضافية من الشركاء. أى أن إجمالى حزمة القروض تسعة مليارات دولار، ويظل السؤال: هل يسهم ذلك فى حل أزمة الاقتصاد؟
الإجابة: أن القروض سوف تُسهم فى تخفيف حدة الأزمة، لكن الشفاء منها يتطلب تغيير هيكل الاقتصاد برمته. إذ تشير الأرقام إلى أن مصر مُطالبة فى الفترة المقبلة بدءا من العام المالى الحالى حتى عام 2027 بسداد نحو 88 مليار دولار أقساط ديون متوسطة وطويلة الآجل، والفوائد المترتبة عليها، وهناك عجز فى العام المالى الراهن (2022ــ2023) يبلغ 14 مليار دولار. ومع ارتفاع سعر الدولار، وتزايد أسعار الفائدة على الودائع، يزداد ثقل الدين الحكومى، خارجيا وداخليا.
لا يمكن عبور الفجوة التمويلية إلا بالتقليل من الواردات، وزيادة الصادرات. هناك بالطبع واردات لا يمكن التقليل منها سواء كانت سلعا غذائية أساسية، أو مستلزمات إنتاج، أو عقاقير وأدوية، وخلافه، ولكن هناك واردات نتاج الثقافة الاستهلاكية التى تجتاح المجتمع المصرى ينبغى التقليل منها، مثلما غزت مجتمعات عديدة شرقًا وغربًا، وجعلت سعادة الإنسان ورفاهيته رهنا باستهلاك سلع ترفيه، وغير أساسية، وهو ما يضع أعباء كبيرة على ميزانيات الدول، ويجعل تأثير الأزمة يتضاعف على الفئات الفقيرة، بينما لا يشعر الأغنياء والطبقات الثرية بذات التأثير الخانق. المسألة ــ فى المقام الأول ــ تتطلب تعديلا فى السلوك الاستهلاكى، والاعتماد على المنتج المحلى، مما يؤدى إلى التوسع فى الصناعة والتشغيل، ويزيد من إمكانات التصدير إلى الخارج. وبالفعل استطاعت مصر فى عام 2021 أن تزيد من صادراتها غير البترولية إلى معدلات أفضل من ذى قبل، حيث بلغت 32 مليار دولار، وهو رقم متقدم للصادرات المصرية، لكن لا يعكس القدرات الحقيقية للاقتصاد المصرى.
هذه هى الإشكالية الحقيقية: مزيد من الإنتاج والتصدير، والتقليل من الواردات قدر المستطاع. وبالمناسبة هذه ليست إشكالية مصر وحدها، بل هى أزمة اقتصادات العديد من دول العالم. فى المنطقة العربية وحدها تطرق العديد من الدول أبواب صندوق النقد الدولى، منها تونس التى وقعت اتفاقية مع الصندوق فى منتصف شهر أكتوبر الماضى بقرض يبلغ 1.9 مليار دولار. وتواجه تونس مشكلات اقتصادية، لن يستطيع القرض تجاوزها، خاصة مع التوسع فى سياسات التعيين فى المؤسسات الحكومية فى أعقاب عام 2011، وزيادة الانفاق على الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للسكان لمواجهة الاحتجاجات المتصاعدة. وتعانى المؤسسات العامة مثل شركة الكهرباء من خسائر، ويوجه الصندوق روشتة ثابتة تتمثل فى تقليل الرواتب، والحد من سياسات التعيين، والانفاق العام، وهو أمر يصعب تحققه فى الظروف التى تمر بها تونس فى الوقت الراهن. أيضا الأردن تتطلع إلى قرض من صندوق النقد الدولى تواجه به أزمتها المالية، وأجرت تعديلات وزارية لتلبية طلبات الصندوق للحصول على القرض، أما لبنان فهى فى أمس الحاجة إلى القرض، بعد أن فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، لكن هناك احتياج حتمى للترتيبات السياسية هناك خاصة مع خلو منصب الرئيس، واستمرار حكومة تسيير الأعمال، وعدم القدرة على تحقيق التوافق السياسى.