«أن تعشق الحياة» رواية عند عتبة الأمل - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أن تعشق الحياة» رواية عند عتبة الأمل

نشر فى : الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 8:15 م

تهدى الروائية اللبنانية علوية صبح روايتها الجديدة «أن تعشق الحياة» الصادرة حديثا عن دار الآداب اللبنانية، الى طبيبها بول بجانى وبعبارتها: «لولاه، ما عدت إلى الحياة والحب والكتابة». لكنها تحول هذا الطبيب إلى شخصية روائية تؤدى نفس المهمة فى حياة بطلة الرواية بسمة الراقصة التعبيرية التى عانت مثل علوية من تشنجات فى وجهها وجسدها عطلتها عن الحياة لعدة سنوات، وبفضل هذا التماثل بين الحالين ترسل الرواية إشارات إلى القارئ عبر لعبة كسر الايهام توهم بأننا إزاء نص من نصوص السيرة الذاتية، وتبدد الروائية الخبيرة منذ الصفحات الأولى هذا الاحتمال المتعجل وتستأنف بناء المعمار الراسخ الذى شيدته فى السرد العربى المعاصر مستعينة بأدواتها ومفردات عالمها التى يعرفها قارئ اعمالها السابقة (مريم الحكايا / دنيا / اسمه الغرام) وأولها الاعتماد بشكل اساسى على حكايات النساء اللواتى عشن تحولات الحرب الاهلية فى لبنان وربط تلك الحكايات فى رابط من التخييل يستثمر خبرات الاوساط الثقافية ومرجعيات البيئات الشعبية التى تمنحها غرائبية مستمدة منها ومن المنامات التى تشكل ملمحا رئيسيا فى كتابات علوية.
وتستعمل الكاتبة عادة الجسد كمرآة لاظهار فعلى الحرب والحب وتناقضات الحالين، وتجعل المجابهة الجسدية وسيلة كشف وتواصل واذا كانت الروايات السابقة قد اتسمت بجرأة فى اظهار فعل الحب فإنها هذه المرة تمضى فى مسار مختلف بفضل ما ترويه عن اجساد منهكة ومهزومة، فالبطلة الرئيسة صاحبة الحكاية المركزية أو الراوية هى بسمة راقصة المسرح تقول (جسدى هو روايتى الكبرى) لكنها بعد قصص الحب تروى قصة هزيمة جسدها، ليس بالمرض الذى اقعدها فقط وانما بالتاريخ الذى حمله هذا الجسد وهو مفخخ بالخوف الممتد من بيت العائلة إلى افق الاستقلال والتمرد. لذلك يأتينا جسدها وهو فى حالة انهاك يتمدد بدوره ليشمل جميع الوجوه التى نطالعها فى النص ورغم ان بعض الشخصيات يعتقد القارئ انها تؤدى دورا ثانويا الا انها على العكس من ذلك تبدو ذات فعالية واضحة فلا يمكن تفادى الوجع الناتج عن مشاهد الاب فى الرواية قبل ان يقرر الانتحار بعد ان (اكل الخراء فى الحمام) استجابة لصراخ زوجته التى لم تعد تحتمل هذا القهر. وبالمثل لا يمكن تفادى الاثر الفعال لحضور انيسة صديقة البطلة التى لا تغفر لنفسها انها عاشت هاجس الحب خارج مؤسسة الزواج حتى بعد أن تمكنت من شراء حريتها بالمال واستطاعت ان تكتب رواية بحبر القلب ساعدتها على ان تتحقق وتتوازن فالكتابة هى وسيلة محو واداة للعلاج. وهى تشبه كثيرا شخصية نزار صديق البطل يوسف الذى احتفظ بموقعه الناصع فى الرواية دون تبنى شعارات كبرى وهو على عكس يوسف الذى افرط فى تقديم نظريات حول الفن والتحرر لكنه تحول من رسام إلى اصولى مستجيب لخطابات تحريم الفن قبل ان يذهب إلى الانتحار تاركا لوحة غير موقعة تشير إلى اعتقاده بالخسارة الفادحة التى نتجت عن خذلان بسمة زوجته التى رفضت هجران عالمها الفنى وارتعبت بعد ان سود اللوحات التى رسمها وهى ترقص.
وفى رحلتها للتعافى فعلت بسمة ما تمنته صديقتها امينة فى العثور على شخص آخر تهديه حكايتها وتهجس له بهواجسها.
وكعادتها اختارت علوية ابطالها من فضاء ثقافى تعرف خباياه وروت حلقة من حلقات خسارة جيلها الذى بدا افراده من موقع نضالى تقدمى لكن ما حدث ساهم فى تراجع هذا الخطاب وكشف تناقضات بعض افراده وازمته وتداعيه امام الهجمات التى توالت، فقد كتبت الرواية بلغة فريدة تنتقل من نبرة الهجس إلى نبرات الكشف والتجليات الصوفية وولد نصها فى اللحظة التى صار من الممكن عندها تأمل الخسارة، فلم تعد بيروت مدينة الحداثة أو يوتوبيا المدينة المثقفة التى تغرى بالتمرد أو الثورة ووصلت إلى حافة المنحدر وحوصرت بالداعشية وخطاب المحاصصة الطائفية.
تظهر الرواية أول ما تظهر تناقضات المثقف وتعرى مسئولياته وليس الحديث فيها عن خيانات الجسد أو انكساره الا استجابة لخذلان اكبر يهيمن على الواقع العام والفكرة الاساسية فى الرواية هى الربط بين هزيمة الجسد على صعيد خاص وربط هذه الهزيمة بالخيبات الكبرى التى جعلت من الاوطان اجسادا مهزومة.
وفى المحصلة نحن امام جدارية كبيرة لا تحمل فقط علامات الخسارة ولا تقف عند حدود الرثاء وانما تسعى لمراجعة كل شىء بداية من خطاب التحرر الوطنى مرورا بتحرير فلسطين وحتى الربيع العربى الذى تحول من حلم إلى كابوس ولعل اكثر ما يتوهج فى الرواية هو الشعور بالخذلان والخوف، فالام ترث الخوف من جسدها وتورثه والنساء جميعا ضحايا غربة وخوف وكراهية رغم أن الرواية تنتهى عند عتبة الامل.