نشر موقع Project Syndicate مقالا حول مدى مساهمة البيئات الإلكترونية السامة فى عرقلة تمثيل المرأة سياسيا، وعدم تشجيعهن على التفاعل مع الاستحقاقات الدستورية فى بلادهن، حتى أنها تصدر من القادة الذكور أنفسهم!. تناول المقال أيضا أربعة إجراءات واجب على شركات التكنولوجيا اتخاذها، والدور الواقع على عاتق الحكومات والقضاة لمواجهة هذه الجريمة، هذا إذا أرادوا ديمقراطية تمثيلية حقيقية فى بلادهم... نعرض من المقال ما يلى:
من المقرر إجراء انتخابات وطنية تصل لأكثر من السبعين فى عام 2024، بما فى ذلك فى ثمانية من أكثر عشرة بلدان اكتظاظا بالسكان. ومع ذلك، من المرجح أن تكون هناك فئة واحدة ممثلة تمثيلا ناقصا إلى حد كبير: المرأة. ومن بين الأسباب الرئيسية الكم غير المتناسب من الإساءات التى تتعرض لها السياسيات والمرشحات عبر شبكات التواصل الاجتماعى، بما فى ذلك التهديدات بالاغتصاب والعنف، كما يؤدى صعود الذكاء الاصطناعى، الذى يمكن استخدامه لإنشاء صور مزيفة جنسية صريحة، إلى تفاقم المشكلة.
ومع ذلك، فى عام 2022، نجحت منصات مثل ميتا وإكس (تويتر سابقا)، ويوتيوب بتقليص التأكيد على تعديل المحتوى وتراجعت عن تبنى السياسات التى كانت فى السابق تمنع الكراهية والتحرش والأكاذيب. ووفقا لتقرير جديد، فقد أدى هذا الأمر إلى خلق «بيئة إلكترونية سامة معرضة للاستغلال من جانب القوى المناهضة للديمقراطية، والمتعصبين البيض، وغيرهم من الجهات الفاعلة».
إن الهجمات الإلكترونية ضد النساء فى الحياة السياسية آخذة فى الارتفاع بالفعل. وقد تعرضت أربع من أصل خمس برلمانيات للعنف النفسى مثل التنمر أو الترهيب أو الإساءة اللفظية أو التحرش، بينما تعرضت أكثر من 40% للتهديدات بالاعتداء أو العنف الجنسى أو القتل.
• • •
كانت الانتخابات التى أجريت فى الولايات المتحدة عام 2020 كاشفة بشكل خاص. فقد وجد تحليل حديث لمرشحى الكونجرس أن النساء الديمقراطيات تلقين تعليقات مسيئة على موقع الفيسبوك أكثر بعشر مرات من نظرائهن الرجال. ومباشرة بعد قيام المرشح الرئاسى جو بايدن بتعيين كامالا هاريس نائبة له، تمت مشاركة ادعاءات كاذبة حول هاريس ثلاثة آلاف مرة على الأقل فى الساعة على موقع تويتر.
وقد تم توثيق اتجاهات مماثلة فى الهند والمملكة المتحدة وأوكرانيا وزيمبابوى. كما تواجه نساء الأقليات أسوأ أشكال الإساءة، إلى جانب النساء اللائى يظهرن بشكل كبير فى وسائل الإعلام أو يتحدثن علنا عن القضايا النسوية. وفى الهند، تعد واحدة من كل سبع تغريدات على موقع تويتر عن السياسيات مثيرة للجدل أو مسيئة، وتتحمل النساء المسلمات والمنتميات إلى الفئات المهمشة وطأة الانتقادات اللاذعة.
إن الاستهداف غير المتناسب للنساء لا يشجعهن على الترشح للمناصب العليا، ويحد من مشاركتهن السياسية، أو يدفعهن إلى الانسحاب من الخطابات عبر شبكات الإنترنت بطرق تضر بفعاليتهن السياسية ــ مما يساهم فى إضعاف الديمقراطية. وفى إيطاليا، تقول لورا بولدرينى، وهى سياسية إيطالية شغلت منصب رئيسة مجلس النواب فى البلاد، «تستخدم التهديدات بالاغتصاب لترهيب السياسيات وإبعادهن عن المجال العام»، مضيفة أن القادة السياسيين أنفسهم غالبا ما يصدرون هذه التصريحات الخطيرة. وهذا يخلق حلقة مفرغة، حيث تبين أن قلة عدد النساء فى الحكومة يؤدى إلى سياسات أقل فعالية فى الحد من العنف ضد المرأة.
• • •
ينبغى لشركات التكنولوجيا اتخاذ أربع خطوات لمواجهة هذا الاتجاه. بداية، ينبغى لها نشر مبادئ توجيهية بشأن ما يشكل خطاب كراهية وتهديدا وترهيبا بالتحرش على منصاتهم. وقد أدرجت بعض شركات التكنولوجيا العملاقة، بل وقدمت أمثلة عن خطابات الكراهية الجندرية فى سياساتها. تعد سياسة موقع يوتيوب أحد الأمثلة على ذلك.
ثانيا، يتعين على المنصات إعادة الاستثمار فى الإشراف الفعال على المحتوى بالنسبة لكل البلدان، وليس فقط الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا يعنى استخدام مزيج من رأس المال البشرى والأنظمة الآلية المحسنة (خلال جائحة فيروس كوفيد 19، عندما اعتمدت شركات التكنولوجيا بشكل أكبر على الخوارزميات، لاحظ النشطاء فى فرنسا أن خطاب الكراهية على تويتر زاد بنسبة أكثر من 40٪). ومن المهم بنفس القدر تدريب المشرفين البشريين على تحديد العنف ضد المرأة على شبكات الإنترنت فى مجال السياسة والاستثمار الأكثر إنصافا فى الإشراف الفعال على المحتوى. حتى الآن، عادة ما يتم الاستعانة بالمناطق حيث العمالة أقل تكلفة لتنفيذ المهمة المتمثلة فى العثور على المحتوى المسىء وحذفه.
ثالثا، بناء آليات تجعل من الصعب انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة القائمة على النوع الاجتماعى فى المقام الأول. يجب على الشركات تحسين ممارساتها فى تقييم المخاطر قبل إطلاق المنتجات والأدوات أو تقديمها إلى سوق جديدة. وسيكون الاستثمار فى الإبداع، مثل مجموعة الدفاع عن المساواة بين الجنسين«Parity BOT»، التى تعمل كأداة للمراقبة والموازنة من خلال الكشف عن التغريدات المثيرة للجدل حول المرشحات والرد برسائل إيجابية، أمرا مهما أيضا.
وأخيرا، من شأن المراقبة المستقلة من قبل الباحثين أو مجموعات المواطنين والمواطنات أن تساعد المجتمعات على تتبع المشكلة ومدى جودة تعامل منصات التكنولوجيا معها. وستتطلب هذه المراقبة من الشركات إتاحة الوصول إلى بياناتها عن عدد وطبيعة الشكاوى الواردة، المصنفة حسب نوع الجنس والبلد والردود.
وفى سياق تراجع شركات شبكات التواصل الاجتماعى عن سياسات المحتوى وانخفاض الاستثمار فى الإشراف على المحتوى، من المهم ملاحظة أن نسبة النساء فى الأدوار القيادية فى مجال التكنولوجيا تبلغ حاليا 28٪، وهذه النسبة تعرف انخفاضا مستمرا. وإذا كانت القيادات النسائية فى مجال التكنولوجيا، كما هى الحال فى السياسة، أكثر ميلا إلى التصدى للعنف ضد المرأة، فقد يخلق هذا الاتجاه حلقة مفرغة مماثلة.
والأهم من ذلك، يتعين على الحكومات أيضا اتخاذ خطوات فعالة لمنع الإساءات الجندرية من تقويض الديمقراطية. فقد حظرت تونس وبوليفيا العنف السياسى والتحرش ضد المرأة، فى حين أصدرت المكسيك أخيرا قانونا يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى تسع سنوات أولئك الذين يقومون بإنشاء أو نشر صور أو مقاطع فيديو حميمية للنساء أو يقومون بمهاجمتهن على شبكات التواصل الاجتماعى.
فى المملكة المتحدة، تعمل المبادئ التوجيهية القانونية الصادرة فى عامى 2016 و2018 على تمكين محاكمة المتصيدين عبر الإنترنت الذين ينشئون علامات تصنيف أو وسومات مهينة، أو يشاركون فى مهاجمات واعتداءات افتراضية (تحريض الناس على مضايقة الآخرين)، أو تداول صور مزيفة. ففى عام 2017، أصدرت ألمانيا قانونا يلزم المنصات بإزالة خطابات الكراهية أو المحتوى غير القانونى فى غضون 24 ساعة أو المخاطرة بدفع غرامات تقدر بملايين الدولارات (تم إلغاء إجراء مماثل فى فرنسا خوفا من الرقابة).
• • •
لكن على الرغم من تطبيق القوانين، تتحدث النساء السياسيات عن انتهاكات «شبه مستمرة» وتشير إلى أن المسئولين المكلفين بإنفاذ القوانين لا يأخذون التهديدات والإساءات عبر الإنترنت على محمل الجد. وفى المملكة المتحدة، على سبيل المثال، فقد أدت أقل من 1% من الحالات التى تم الإبلاغ عنها إلى وحدة مكافحة جرائم الكراهية على الإنترنت التابعة لسكوتلاند يارد إلى توجيه اتهامات للأشخاص المعنيين. يحتاج ضباط الشرطة والقضاة إلى تدريب أفضل لفهم كيفية تطبيق القوانين الحالية فيما يتعلق بالعنف عبر الإنترنت ضد النساء السياسيات؛ وأن يدركوا أن هذا ببساطة «جزء من عملهم».
كما يتعين على شركات التكنولوجيا والحكومات العمل الآن لضمان قدرة كل من الرجال والنساء على المشاركة على حد سواء فى انتخابات هذا العام. وما لم تفعل ذلك، ستصبح الديمقراطيات التمثيلية أقل تمثيلا وأقل ديمقراطية.
النص الأصلي
https://bitly.ws/38bgT