الخطر الذى لا يتحدث عنه أحد.. تركيا تقرب حدودها من إسرائيل - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 5 يناير 2025 3:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطر الذى لا يتحدث عنه أحد.. تركيا تقرب حدودها من إسرائيل

نشر فى : الخميس 2 يناير 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 2 يناير 2025 - 7:50 م

بحسب صحيفة ذا جارديان، بعد أقل من أسبوع من فرار بشار الأسد إلى موسكو، رفع المسئولون الأتراك علمهم فوق السفارة فى دمشق. كانت تلك لحظة سبقتها أيام من وصول رئيس المخابرات التركية، إبراهيم كالين، إلى العاصمة السورية. ركب كالين سيارة سيدان سوداء يقودها زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، الذى ارتدى ملابس مدنية. صلى رئيس المخابرات تحت قبة المسجد الأموى، قبل أن يخرج إلى حشود مذهولة تجمعت لرؤية أول شخصية أجنبية تزور القيادة السورية الجديدة.
بهدوء نسبى فى القنوات الإخبارية فى إسرائيل، نشهد فى هذه الأيام عملية استراتيجية مهمة جدا؛ سيطرة تركيا على سوريا، والبدء بصوغ النظام الإقليمى الجديد. إذ تعكس تصريحات المسئولين الأتراك أجواء التفكير التركى بشأن سوريا؛ تحدّث رجب طيب أردوغان فى كلام تنبؤى (حاول طمسه لاحقا) عن سورية كمحافظة فى تركيا الكبرى، كما تحدّثت مجموعة من كبار المسئولين الأتراك عن المساعدة التى تنوى تركيا تقديمها إلى سوريا الجديدة، وتشمل موضوعات سورية داخلية مع التشديد على المسألة الكردية.
من الموضوعات المهمة الموضوع الذى تحدّث عنه موقع «بلومبرج» مؤخرا؛ إذ ينوى وزير المواصلات التركى البدء بمفاوضات مع سوريا من أجل ترسيم الحدود البحرية فى البحر المتوسط، وهذا الاتفاق سيسمح «للدولتين بزيادة منطقة نفوذهما فى التنقيب عن الطاقة». وأشار الوزير إلى أن تركيا مهتمة بالتعاون مع سوريا فى مشاريع بنى تحتية، بينها مرافئ.
• • •
من منظور إقليمى (متعدد الأبعاد)، يرتسم أمامنا محور إسلامى سنّى متطرف بقيادة تركيا وغيرها فى الأراضى السورية. علاوة على ذلك، وربما الأهم، فمن الممكن جدًا أن خطط أردوغان العامة هى إحياء حلم تركيا الكبير، وتحويل تركيا إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا، وسينطلق أنبوب الغاز من قطر، ويعبر الأراضى البرّية السورية إلى تركيا.
إسرائيل تتصرف كما تصرفت خلال الحرب كلها، فهى جيدة جدًا فى التحدث باللغة العسكرية، وفيما يتعلق بسوريا نفسها، فقد حسنت بصورة كبيرة منظوماتها الأمنية فى الأراضى السورية، بالإضافة إلى تدمير الجيش السورى، وهذا كل شىء، ومن الآن فصاعدًا، هناك جمود ومحافظة على الستاتيكو.
فى المقابل، فإن تركيا جيدة جدًا فى الكلام المدنى والاقتصادى، وتحقق مصالحها بالوجه المدنى البرىء بعد الحرب، وعبر الحصول على شرعية دولية وتشجيع من مختلف أصحاب المصالح الاقتصادية. وإن التمركز المدنى وإعادة الإعمار المدنى يحملان دائمًا معهما لاحقًا التدخل العسكرى.
فى مواجهة كل هذه التطورات، تواجه إسرائيل معضلة وتقف أمام خيارين: معارضة الحكم الجديد فى سوريا، والتعامل معه بصفته «ذئبًا فى ثياب حَمَل» يتبنّى أيديولوجيا إسلامية سنّية متطرفة ويرتدى قناعا مؤقتًا للحصول على الشرعية الدولية. والمغزى من ذلك: فى أراضى سورية الجديدة سينشأ عمليا ونظريا محور إسلامى سنّى متطرف يحظى بحماية وتأييد عسكريَين من الجيش التركى، والذى مع مرور الزمن سيتحدى إسرائيل على حدودها (بحرًا وبرًا وجوًا).
أما الخيار الثانى، الاعتراف بالحُكم الجديد، بهدف التأثير فى الصورة المستقبلية لسوريا كجزء من نظام إقليمى جديد، ومن أجل قطْع الطريق على قيام أردوغستان. ومعنى ذلك اعتراف إسرائيلى بالحُكم الإسلامى السنّى المتطرف الذى عند الانتهاء من ترسيخ وضعه الداخلى، سيبدأ فى استخدام قواته المتطرفة من أجل تحدى إسرائيل.
الخياران مثيران للقلق، لكنهما أفضل من التحدى اليومى الذى كانت تمثله إيران فى سوريا، من دون الحديث عن حزب الله فى لبنان كقوة عسكرية مهمة.
• • •
لكن الحياة ليست أبيض أو أسود، ويوجد خيار ثالث: إنشاء نظام جديد فى الشرق الأوسط يتلاءم مع مصالح إسرائيل البعيدة المدى، والأداة الأساسية هى أداة مدنية وليست عسكرية؛ التسلل والقيادة والهيمنة عبر موضوع إعادة الاعمار (الذى سيحدث سواء شئنا أم أبينا).
ثمة مصلحة مشابهة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن كل ما له علاقة باليوم التالى فى الشرق الأوسط، وهذا يترافق مع مصالح اقتصادية مهمة جدا فى مسائل الطرق البرية من الشرق الأوسط وتوسيع اتفاقات أبراهام. والولايات المتحدة ودول اتفاقات أبراهام هى الوحيدة القادرة على أن تدعم اقتصاديًا إعادة الاعمار (الأمر الذى لا يستطيع أردوغان القيام به فى ظل الوضع الاقتصادى التركى الصعب حاليًا).
الطريقة هى تسخير إدارة ترامب على خلفية المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، من أجل «خطة مارشال» (خطة إعادة إعمار شاملة). وشرط إسرائيل من أجل الاعتراف بالحُكم الجديد هو أن تدرس هذا الحُكم وتتعامل معه بصورة مشروطة وعلى مراحل متدرجة لوقت طويل (وفى مرحلة معينة الطلب منه الاعتراف رسميًا بدولة إسرائيل)، وفى هذه الأثناء، عدم ترك الساحة للمحور التركى ــ القطرى، وهيمنة إسرائيل من وراء الكواليس مع العمل مع طاقم أمريكى يدخل الساحة ويُخرج الأتراك منها.
بصورة مثيرة للدهشة، فإن تطبيق خطة مارشال بقيادة إسرائيل ستحوّل كل المناطق المختلَف عليها عسكريًا مع إسرائيل إلى قاعدة للتعاون، وهو ما سيؤدى عمليًا إلى قيام حِلف إقليمى دولى عبر استغلال المصلحة المشتركة لكل اللاعبين، ألا وهى إعادة الإعمار.
إن النفوذ الأمريكى لإدارة ترامب (وليس بايدن) والأوضاع الصعبة للمتمردين سيسمحان بصوغ سوريا الجديدة، وحماية الأقليات التى تتعرض للخطر فى هذه الأثناء. كما ستجرى حماية الأكراد من تركيا، وربما لاحقًا منْع إنشاء دولة «داعش» على حدودنا الشمالية، ومع مرور الوقت، فإن هذا سيسمح بوجود نفوذ داخلى يساعد فى إيجاد بديل لمجموعة المتمردين التى تشكّل الحُكم الحالى.
• • •
هكذا، وعندما تكون هناك جزرة (فى مقابل سلسلة من الشروط) إلى جانب العصا، فسيكون من الممكن صوغ نظام إقليمى جديد والتأثير فيه بدلاً من الجلوس جانبًا والمراقبة.
إن المبادرة ستمنح إسرائيل ائتمانًا دوليًا من جديد، وستساعد، بعكس الماضى، فى تأمين المصالح الإسرائيلية (بما فى ذلك السيطرة الأمنية الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة). وهذه الخطة ستجعل حماس وحزب الله، والمتمردين فى سوريا فى مواجهة معضلة؛ إذ إن تحركهم ضد جهود إعادة الإعمار سيجعلهم موضع إدانة دولية وإقليمية، وسيُظهرهم للمرة الأولى وبوضوح أنهم يعملون ضد شعوبهم، الأمر الذى سيُلحق ضررًا كبيرًا بشرعيتهم الشعبية.
فى هذه المرحلة، يمكن تحقيق ذلك، بينما سيكون من الصعب فى مراحل لاحقة على الولايات المتحدة، وبالتأكيد على إسرائيل، تحقيق مبادئ النظام الجديد فى الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تضطر إسرائيل إلى التعامل مع التحدى العسكرى الذى سيشكله لها الأتراك على الأقل فى المياه الاقتصادية، وربما أيضًا على الحدود السورية وفى الأجواء الجوية. إن الأمر يعود إلى إسرائيل، وهو مهم للغاية وممكن تحقيقه.

عاميت ياغور

معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات