حل المشكلة الحوثية ليس في إيران - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 3 يناير 2025 7:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حل المشكلة الحوثية ليس في إيران

نشر فى : الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 6:50 م

 منذ اندلاع حرب «السيوف الحديدية»، يعمل الحوثيون فى اليمن ضد دولة إسرائيل بهدف ممارسة ضغط عليها لإنهاء المعركة فى قطاع غزة، ويرتكز نشاطهم على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة فى اتجاه أراضى دولة إسرائيل،  بالإضافة إلى شن هجمات فى المجال البحرى ضد أى سفينة تعبر مضيق باب المندب، وتكون وجهتها إسرائيل.

وردّا على نشاطات الحوثيين ضدها، فقد اكتفت إسرائيل بردود محدودة تستند إلى قدرات سلاح الجو الإسرائيلى، الذى نفذ أربع ضربات خلال السنة الماضية استهدفت مواقع بنى تحتية فى اليمن، وخصوصًا فى منطقة ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء، وفى الهجوم الأخير الذى نُفذ فى 26 ديسمبر الماضى، كان مطار صنعاء الدولى هدفًا للهجوم الإسرائيلى. وربما تكون هذه النشاطات قد حققت نجاحا على المستوى العملياتى، لكنها لم تغيّر الواقع الحالى بصورة فعلية، وذلك لأن الحوثيين لم يتوقفوا عن قصف إسرائيل، وهو ما أدى عمليًا إلى «تجفيف» نشاط ميناء إيلات، الذى أصبح نشاطه معطلاً بالكامل حاليًا.

يبدو مؤخرا أن الحوثيين تحولوا إلى مرحلة جديدة فى معركتهم مع إسرائيل، إذ يحاولون الآن إنهاك سكانها عبر إطلاق صواريخ نحو «غوش دان» بصورة شبه يومية خلال الليل. ويفترض الحوثيون أنه حتى لو تم اعتراض هذه الصواريخ، فإنها تؤدى غرضها، لأنها تفرض ضغطًا على السكان الإسرائيليين؛ إذ إن صافرات الإنذار الليلية تُطلَق فى مناطق واسعة من «غوش دان» -وتظل كذلك حتى بعد اعتراض الصواريخ بنجاح- بسبب الخوف من سقوط شظايا الاعتراض.

ونظرا إلى عدم فاعلية الرد الإسرائيلى ضد الحوثيين، والتحدى العملياتى الذى يفرضونه على دولة إسرائيل، فقد بدأت أصوات بارزة فى المنظومة الأمنية الإسرائيلية تدعو إسرائيل إلى التفكير فى استهداف إيران مباشرة، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى وقف إطلاق الصواريخ من اليمن. وتستند هذه الدعوة أساسا إلى حقيقة أنه بعد ضعف حزب الله الملحوظ، ونتائج الهجوم الإسرائيلى فى 26 أكتوبر الذى أضر بشدة بمنظومة الدفاع الجوى فى طهران، وقدرات إيران على إنتاج الصواريخ، أصبحت قدرة إسرائيل على العمل ضد إيران وداخل أراضيها أسهل نسبيا.

تجدر الإشارة إلى أنه حتى لو كانت إسرائيل قادرة عملياتيا على التحرك علنا ضد إيران، فإن هناك شكوكا كبيرة جدا بشأن ما إذا كان الهجوم على إيران سيغير شيئا فى حسابات الحوثيين بشأن استمرار نشاطاتهم ضد إسرائيل، لأن علاقة إيران بالحوثيين بعيدة كل البعد عن كونها علاقة راع بربيب. صحيح أن الحوثيين يستفيدون من دعم إيران فى بناء قوتهم العسكرية، بما فى ذلك تزويد إيران إياهم بأسلحة استراتيجية، لكنهم فيما يتعلق باتخاذ القرارات يحافظون على استقلاليتهم، ولا يأخذون بالضرورة المصالح الإيرانية فى الحسبان. وعلى سبيل المثال، فإنه عندما هددت الإدارة الأميركية إيران وطالبتها بالضغط على الحوثيين لوقف إطلاق النار على السفن الأمريكية المارة فى البحر الأحمر، لم يغير الحوثيون من طرائق عملهم. وسواء أكانت إيران قد توجهت إلى الحوثيين وتلقّت رفضا أم لم تتوجه إليهم مطلقا، فقد كانت النتيجة واحدة؛ إن قدرة طهران على التأثير فى قرارات الحوثيين محدودة للغاية.

•  •  •

يرى الحوثيون أن نشاطاتهم ضد إسرائيل تُدخلهم دائرة «اللاعبين الكبار»، سواء فى نظر بقية أعضاء المحور (الذين يتجنب معظمهم استخدام القوة ضد إسرائيل)، أو فى نظر دول المنطقة التى تدرك أنهم قوة يجب أخذها فى الحسبان. علاوة على ذلك، يكاد يكون من المستحيل إنشاء معادلة ردع فى وجه الحوثيين الذين لا يملكون ما يخسرونه تقريبا، بل أيضا إن استمرار نشاطاتهم ضد إسرائيل والولايات المتحدة يعزز مكانتهم أمام السكان المحليين الذين يعانون اقتصاديًا تحت حُكمهم.

بناء عليه، فإنه يبدو أن استمرار النمط الحالى من النشاط الإسرائيلى فى اليمن، وحتى شن هجوم مباشر على إيران، لن يغير فعليا الواقع الحالى فى علاقة إسرائيل بالحوثيين. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يؤدى الهجوم الإسرائيلى على إيران إلى دفع القيادة الإيرانية إلى الرد ضد إسرائيل، وهو رد يمكن أن يُدخل المنطقة معركةً واسعة النطاق، وهو أمر يُشَك فى أن الإدارة الأمريكية الحالية أو المستقبلية ترغب فيه فى الوقت الراهن.

وتعتمد القدرة على وقف، أو على الأقل تقليص، النشاطات الحوثية بصورة كبيرة ضد إسرائيل على تغيير السياسة الإسرائيلية وسياسة التحالف بقيادة الولايات المتحدة فى البحر الأحمر، والتى يجب أن تستند إلى عدد من المبادئ الرئيسية، منها:

أولاً: الاستمرارية، يجب العمل باستمرار وديمومة ضد التنظيم «الإرهابى» اليمنى، سواء أهاجم إسرائيل أم لم يهاجمها. وينبغى أن يكون التنظيم وأفراده فى حالة دفاع دائمة (بمعنى أن عليهم دائمًا أن يفكروا فى الدفاع، لا الهجوم). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه على إسرائيل دراسة إمكان تعزيز وجودها الدائم فى منطقة البحر الأحمر و/أو تنفيذ ضربات متواصلة فى اليمن، بدلًا من الاكتفاء بهجمات متقطعة ذات تأثير محدود بصورة واضحة.

ثانيا: التنسيق، إلى جانب تعزيز النشاط الإسرائيلى (مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن تكرار نمط العمليات المتبع فى لبنان أو قطاع غزة نفسه فى اليمن)، فإن هناك حاجة إلى تغيير جذرى فى نمط عمل التحالف، الذى يتيح له وجوده المادى بالقرب من اليمن مجالا واسعا للعمل ضد الحوثيين. ويجب أن تكون نشاطات التحالف أكثر كثافة، وأن تستهدف مجموعة واسعة من الأهداف التى يستخدمها الحوثيون. كما يجب أن يكون التنسيق بين إسرائيل والتحالف مثاليا، مع التركيز على تحديد المناطق الحساسة التى يمكن أن يسبب استهدافها ضررا كبيرا لسلطة الحوثيين.

ثالثا: تنويع الأهداف، يجب إثارة شعور بالاضطهاد لدى القيادة الحوثية عبر الاستهداف المستمر والمتواصل لكبار المسئولين فى السلطة، مع التركيز على العناصر المنتمية إلى قبيلة الحوثى بقيادة عبد الملك الحوثى وإخوته، الذين يشغلون مناصب بارزة فى القيادة اليمنية.

رابعا: إيران، كما أسلفنا أعلاه، ليس من الحكمة استهداف إيران مباشرة، لكن لا شك فى ضرورة العمل لمنع قدرتها على تقديم الدعم العسكرى إلى الحوثيين، ويمكن تحقيق ذلك عبر استهداف عناصر فيلق القدس الإيرانى الموجودة فى اليمن، بقيادة عبد الرضا يوسف شهلائى، الذين يقدمون دعما كبيرا من أجل بناء القوة العسكرية اليمنية.

خامسا، العمل الاستخباراتى: تتمثل إحدى المشكلات التى تترافق مع المعركة ضد الحوثيين فى صعوبة إنتاج معلومات استخباراتية عالية الجودة وفى الوقت الفعلي، تتيح استهداف مراكز الثقل فى السلطة. وإلى جانب بناء القدرات فى هذا المجال، فمن المناسب تعزيز العلاقات مع دول الخليج، وخصوصًا الإمارات والسعودية، والتى حتى وإن لم تتمكن [أى دول الخليج] من العمل مباشرة ضد الحوثيين، فإنها تستطيع تقديم المساعدة الاستخباراتية نظرًا إلى فهمها العميق لتنظيم «الإرهاب» اليمنى.

•  •  •

تجدر الإشارة هنا إلى أن مشكلة الحوثيين ليست تحديا يواجه إسرائيل وحدها، وينبغى عدم تحويلها إلى قضية إسرائيلية فقط، فهى مشكلة تواجه دول المنطقة والمنظومة الدولية ككل، نظرًا إلى اعتماد حركة الملاحة البحرية فى منطقة باب المندب عليها. ونظرًا إلى تعقيد العمليات على مسافة بعيدة كهذه عن الحدود الإسرائيلية، فمن المناسب الاعتماد، إلى جانب النشاط الإسرائيلى، على عمليات التحالف الدولى والتوصل إلى تفاهم مع إدارة الرئيس القادم ترامب بشأن الحاجة إلى تعزيز نشاط التحالف بصورة كبيرة ضد الحوثيين.

على المدى البعيد، فحتى لو انتهت المعركة فى قطاع غزة، وأوقف الحوثيون هجماتهم بحلول ذلك الوقت، فإنه فى نهاية المطاف لا مفر من إسقاط النظام الحوثى فى اليمن. ولن تكون هذه المهمة سهلة، لكن بخلاف العديد من الدول الأُخرى فى الشرق الأوسط، فهناك فى اليمن قوى، وخصوصًا فى جنوب البلد، تعتمد على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويمكنها أن تتحمل المسؤولية عن اليمن فى حال انهيار النظام الحوثى، على الرغم من وجود خلافات بينها بشأن توحيد أجزاء البلد.

إذا كان هناك درس تعلّمه الحوثيون من الأحداث الحالية، فهو يتعلق بقدرتهم على استخدام القوة العسكرية التى بنوها بمساعدة إيران لتحصيل تنازلات سياسية من دول المنطقة ومن غيرها. وبناء على ذلك، وحتى لو توقف القصف الحوثى نحو إسرائيل مؤقتا، فمن المرجح أن يُستأنف فى المستقبل لأسباب أخرى (على سبيل المثال، بسبب علاقة الحوثيين بالجانب السعودى، أو النشاط الإسرائيلى ضد عناصر أُخرى فى المحور). علاوة على ذلك، فإن المعرفة التى اكتسبها الحوثيون خلال المعركة مع إسرائيل ستُنقل إلى وكلاء آخرين لإيران فى منطقة الشرق الأوسط، كالميليشيات الشيعية فى العراق، وهو ما يشكل سببًا إضافيًا لضرورة العمل على إسقاط النظام الحوثي. ومع افتراض أن هذا الهدف قابل للتحقيق، فإنه سيمثل ضربة قاسية لجهود إيران فى بناء قوتها وترسيخ نفوذها فى منطقة المضائق وصولًا إلى القرن الإفريقى.

•  •  •

فى الختام، من الواضح أن ما تم القيام به حتى الآن لم يكن كافيا لتغيير الواقع فى مواجهة الحوثيين. صحيح أن الساحة اليمنية لم تكن على رأس الأولويات الإسرائيلية، ولذلك، فإن إسرائيل تدفع ثمنًا يتمثل فى قدرتها المحدودة على التحرك بفاعلية ضد التهديد اليمني، لكن حان الوقت لتغيير الوضع جذريا، ومن المشكوك فيه وجود بديل آخر.

ويتطلب التحدى الحوثى من إسرائيل أن تعترف بأن المسافة والتحدى العملياتى يعنيان أن اللجوء إلى ضربة واحدة وقاسمة تحسم المعركة ليس ممكن التحقق فى معركتها ضد الحوثيين. ولذلك، فمن الأفضل أن يكون الرد على هذا التحدى مشتركا، وليس من جانب إسرائيل وحدها؛ فإلى جانب بناء القدرات الاستخباراتية وزيادة الوجود فى منطقة المضائق لتسهيل العمليات المستمرة ضد التنظيم، يجب الضغط على التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة لتكثيف الهجمات ضد كبار المسئولين فى النظام الحوثى، وبنية إنتاج الأسلحة التى يملكونها، مع الاعتماد على معلومات استخباراتية تشمل أيضًا دول الخليج.

إن خوض معركة فاعلة ضد الحوثيين سيخدم بصورة جيدة المصالح الثنائية لإسرائيل، وخصوصًا مع الإمارات، والبحرين، والسعودية، وهى دول تعتبر الحوثيين تهديدًا حقيقيًا. كما أنها ستتيح إعادة فتح المضائق أمام حركة السفن إلى إسرائيل، وهى الخطوة التى ستساهم بصورة كبيرة أيضًا فى انتعاش الاقتصاد المصرى.

دانى سترينوفيتش

معهد دراسات الأمن القومى

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

التعليقات