سعدت بدعوة من صديق لمشاهدة واحد من أحدث الأفلام الأمريكية وهو فيلم "المدمرة" للممثلة ذائعة الصيت نيكول كيدمان والمخرجة كارين كوساما. وربما يكون مصدر السعادة هو أنني لم أدفع مقابلا في التذكرة إضافة إلى أنني استمتعت ربما لأول مرة بتجربة التهام علبة ضخمة من الفشار المخلوط: حلو بطعم الكراميل و"حادق" بالملح.
بعد دقائق من بدء العرض أدركت أنني سقطت فريسة لواحد من "أفلام المقاولات الأمريكية"، ولم يفلح الفشار في تشتيت انتباهي بالقدر الكافي فقررت التأمل في هذه البنية الدرامية المكررة ومحاولة تفكيكها بما قد يفيد كتاب السيناريو الراغبين في تبني مثل هذه القوالب أو أولئك الواعين بضرورة الابتعاد عنها.
تتبنى كثير من أفلام الأكشن التجارية قالب "الضفيرة الثلاثية" اعتمادا على ثلاثة خطوط متوازية مغزولة. الخط الأول نسميه "خط البحث". البطل يبحث عن شيء ما. عن كنز، أو مكان، أو شخص كما هو الحال في الفيلم المذكور وفيه تبحث البطلة التي سنسميها تسهيلا فتكات، عن شخص سنسميه زيد.
عثور فتكات على زيد لا ينبغي أن يكون سهلا. سنكتشف أننا لن نصل إليه إلا عن طريق عبد النبي، والأخير لا يعرف طريقه سوى سامية التي تعمل مع متولى صديق سلامة وجار محمود الذي مر بشكل عابر أمام حسين صاحب كشك السجائر. يمكن إطالة السلسلة بحسب الطول المطلوب للفيلم فكل واحد من هؤلاء له مشهد.
الخط الموازي الثاني هو "خط النار". وهي التسمية المحسنة لخط الضرب أو العجن أو أي تسمية يمكن أن تطلقها على سلسلة معارك ستصحبك مع الفشار حتى النهاية. لا توجد حدود لما يمكن استخدامه في هذه المعارك الطاحنة التي تستعرض فيها مهارات المكياج لتقديم الممثلين بوجوه مشوهة بعد تدميرها بالضربات واللكمات، ثم تطوير الأمر للطعن بالخناجر والسكاكين وبعدها الضرب بالمسدسات والكلاشنيكوف والقنابل اليدوية وأصابع الديناميت واستخدام الدبابات والطائرات والنابالم وكافة أنواع المتفجرات. ينتصر البطل أحيانا أو كثيرا ولكن المهم أن يتلقى من حين لآخر بعض الضربات والطعنات وأن يظهر في بعض المشاهد بشفة مشقوقة أو ذراع مضمدة. سيضفي هذا شيئا من المصداقية وكثيرا من التعاطف مع فتكات التي دفعنا من أجلها ثمن التذكرة وعلبة الفشار.
الخط الثالث والأخير هو "الخط الإنساني". العلاقة الناعمة التي تضفي رومانسية محببة على البطل المغوار ويفضل أن تكون مع أحد أقارب الدرجة الأولى. أب سكير وحنون، أم مقعدة في دار للمسنين، أو كما هو الحال في الفيلم محل العرض المبتسر، ابنة مراهقة تحاول الأم جاهدة أن تحميها وتتواصل معها وهي محاولات لابد أن تفشل طوال الفيلم حتى لا نفقد الخط.
المزج بين هذه الخطوط الثلاثة يتم بعرض مشهد من كل خط في تتابع ممل: مجموعة مشاهد للبحث عن زيد، ثم عركة أو "علقة" أو مطاردة بالرصاص أو القنابل، وبعدها مباشرة مشهد درامي لمواجهة عاطفية مع الأبنة أو من يتصل بها. بحث، ضرب، عواطف. بحث، ضرب، عواطف.. وهكذا حتى نقترب من نهاية الفيلم.
مهم جدا أن يظل المشاهد في حيرة ولا يعلم لماذا نبحث عن زيد أصلا. من حين لآخر ستسقط معلومة تساعد في توضيح الصورة والأفضل أن يتم هذا بالقرب من نهاية الفيلم ولكن ليس ضروريا على الإطلاق.
المشهد الحاسم هو مشهد وصول فتكات لزيد ولكن مهلا فالأمر ليس بهذه البساطة. لابد من "تويست" أو مفاجأة في النهاية لنكتشف ان زيد ليس زيدا. لقد كان في الأصل عبيد، او متولى، أو بطلة الفيلم ذاتها، أو المخرج أو أنا أو أنت.