اللعنةُ الكبرى.. أن تكون لبنانيا! - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللعنةُ الكبرى.. أن تكون لبنانيا!

نشر فى : الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 8:35 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب نصرى الصايغ... نعرض منه ما يلى:
لا أحد يسمع.. الحزن المنتشر سرى. الجدران أصدقاء مثاليون، لا يسمعون مصائبنا. أصواتنا ليست لنا. لغتنا أصوات مرتفعة. ليس فيها جواب على سؤال. يُشبَّه لنا أننا أحياء. يضحك الموت منا عندما ننصحه بالابتعاد. الكورونا تتبرأ من مسئوليتها من العدوى.
هى امتحان مؤلم لنا. نكتم مسيرتها وهيئتها. تُعامِل الناس كمشبوهين. تحتشد فى عالم فوجئ بنقص المناعة وندرة الشفاء. برغم كل ارتكاباتنا لا نستحق هذه العقوبة المستدامة. يكفينا ما عندنا من عقوبات سياسية ودينية واجتماعية ورأسمالية. لسنا فى حماية أحد. الجبن والاختباء والخوف فضائل تمنع الكورونا من اجتياحاتها.
تغيَرنا كثيرا. لا نشبه أنفسنا أبدا. مشتاقون إلى مصافحة، إلى لمسة يد، إلى قبلة، إلى اشتهاء. أيادينا باتت صالحة لمراسم الوداع من بعيد. عندما نضحك بصوت مرتفع جدا وصاخب، هذا يعنى أننا ساخطون وليس فى يدنا حيلة. أصدقاؤنا الجميلون، كاتمو أسرارنا وخطايانا، صاروا غرباء. نسينا مخيلتهم وأمانة سرهم. كل صداقة شبهة مرضية. فيا أصدقاءنا نحن أصدقاؤكم الممنوعون. كل شهواتنا النبيلة واللذيذة والشبقة محفوظة فى مكان معتم. نرضى بالقليل من الكلام كى لا يصير الصمت ديانتنا.
تغير العالم كثيرا. يستيقظ على عداد الموتى وينام على توقع الأسوأ. لم يكن ذلك متوقعا. كنا نعيش صراعاتنا كالعادة. كنا كلبنانيين اعتدنا على جمهورية الغلط. نعرف أسماء من نلعنهم صبحا ومساء. نعانى من بؤس سياسى غير مسبوق. أبواب الجحيم كلها نرتادها، وهى مفتوحة وتزداد انفتاحا. شىء من جهنم نعيشه كل يوم. أقصد بكل يوم، كل ساعة وكل دقيقة. لعنة كبرى أن تكون لبنانيا. اللبنانيون صاروا بلا لبنان. لبنانهم الماضى انقضى. لبنان الحاضر ينتفون ما تبقى منه. صار أشلاء. يتناوبون على ما تبقى منه كالكلاب المسعورة. لبنان المستقبل وهم. ما فينا يكفينا. لا رغبة فى ترداد معزوفة السقوط فى الهاوية. لا رغبة فى تذكير اللبنانيين بما ارتضوه من دين مسموم يدينون به. لا رغبة باستضافة ما هو أبدع من الكورونا ألف مرة. الطائفية ديانة المجرمين والقتلة والسفلة والسياسيين والقادة ومن معهم من أحذية بشرية.
أعترف بأنى جاهل جدا. كل ما حولى يؤلمنى ويؤنبنى. كلما قلت شيئا يتبين لى أن هذا الكلام ليس ما كنت أريد قوله. أفضل الكتمان. أفترض عن جد، أن الجهل نعمة. يا لجهلى أعيش كالبهيمة. لكن الموت بعينين مفتوحيتن يقسمان لك المسافة لتحارب الزمن والشيخوخة والغلط. تقف وتقول، لا يعقل أن ينتهى لبنان بين يدى هؤلاء الكورونيين، من دون أن تصيبهم صفعة يستحقونها من دون أذية أو لكمة أو ضربة على جلافة ضمائرهم.
هذا مجرد هذيان. هؤلاء الملعونون هم أنبياؤنا، وصفقاتهم وسرقاتهم وسخفهم وسياساتهم، هى آياتهم البينات. يلزم أن نكف نهائيا عن مباشرتهم وسماعهم وتعفير ضمائرنا بجريرتهم. وإذا كان لا بد من فعل ما، فلا بد من التعامل معهم بمطرقة. هذه شهوة مستحيلة. عبيدهم أقوى من شياطين جهنم.
الأبواب مقفلة. هم يغلقون كل الأبواب. ونحن الأسرى، والكورونا يهددنا من خلف أسوارنا ومنازلنا وموارد رزقنا… العالمون بالكورونا يحاولون طمأنتنا بأن اللقاح سيحمينا. لكن أحدا آخر لم نسمع منه ما يطمئننا على يومنا وغدنا. قد يرحل الكورونا عنا وقد يموت. أما منتهكو حياتنا وأحلامنا وأيامنا وأخلاقنا وأموالنا، فباقون عندنا وفوقنا وضدنا… قد نهزم الكورونا، ولو بعد عذاب وخسران، لكن لا أمل بهزيمة آلهة الطائفية أبدا.
هل هذا ما كنت أريد قوله كتابة؟
لا أعرف… ما قيمة كل هذا الكلام؟ أننا جميعا فى الجهة المعتمة من المشهد.
أفترض حقا أننى أغالى. مصاب بشبهة التشاؤم وفقدان الأمل. لكنى، أدافع عن نفسى، بأن هذا ما أريد قوله، لأنى ابن لبنان منذ مئة عام. وقد عايشت فيه كل عيوبه. ما يحدث الآن حدث مرارا من قبل. وهو ليس مرشحا للموت، لأن الطائفية تحييه. ما نعرفه، أنه يميت ولا يموت.
يضحك التفاؤل منى عندما أنصح بالابتعاد عنه، ويقول لى: الموت لا يأتى بالعدوى مثل الكورونا.
هل تؤمن بالأمل؟ أُجيبه: أى ألم هذا؟ ثم أُرضى نفسى وأقول «الحياة ليست هى نفسها دائما. فلنصمت كثيرا. الألم من أدوات الأمل».

النص الأصلى

التعليقات