الأزمة الكبيرة التى تمر بها اليوم أسعار الدواجن والتى أثرت كذلك على أسعار البيض، وكذلك الأزمة التى تظهر فى ارتفاع أسعار اللحوم والألبان، بسبب ارتفاع أسعار المواشى بكافة أنواعها والتى ستزداد وطأة مع قدوم عيد الأضحى فى مطلع يوليو، وكله ناتج عن ارتفاع أسعار الأعلاف، هذه الأزمة ما كان لها أن تتفاقم بتلك الشدة لولا تأخر الحكومة فى تحديد أولويات الاستيراد، واستشراف مشكلة توافر الأعلاف، منذ بداية الحرب الروسية، ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية التى أدت لتكدسها فى الموانئ، ومن ثم كانت ستبدى سرعة فى حلها.
الأزمة الراهنة مظهرها علاوة على غلاء أسعار الدواجن واللحوم والبيض، كان فى لجوء بعض المربين لحرق الكتاكيت، وخروج عدد كبير من صغار المستثمرين من صناعة الدواجن، وانخفاض سعر الكتكوت إلى ما دون 2 جنيه، وزيادة معدلات البطالة فى هذا القطاع الذى يعمل فيه ما بين 3 إلى 4 ملايين شخص، يعولون على أبسط تقدير ضعفيهم، أى ما جملته نحو 10ملايين فرد.
وقد وقعت الأزمة بسبب عدم توافر العملة اللازمة للاستيراد. ما أدى إلى رفع أسعار أدوات الإنتاج وهى بالأساس الذرة الصفراء من 3ــ4 آلاف إلى 10ــ11 ألف جنيه للطن وكان قد وصل أقصى مدى له إلى 14,5 ألف جنيه للطن، وفول الصويا الذى ارتفع من 9 آلاف إلى 26 ألف جنيه للطن، وكان قد وصل أقصى مدى له إلى 25 ألف جنيه للطن. ما شكّل أزمة كبرى هى الأشد منذ أزمة أعلاف 2006.
بالطبع كان السبب الرئيس فى حدوث المشكلة الدواجن، كون الأعلاف تشكل 75% من تكلفة الإنتاج الداجنى، على عكس اللحوم الحمراء التى تدخل فى تغذيتها البرسيم والدريس إلى جانب الأعلاف. فحسب عبدالعزيز السيد رئيس شعبة دواجن غرفة القاهرة التجارية، فإن تكلفة تربية 1000 كتكوت لمدة الدورة التى هى 35 يوما، تبلغ 69350 جنيها، منها 56350 جنيه أعلاف، بنسبة 81%، أما باقى التكلفة فهى لثمن الكتكوت، واستهلاك الغاز والسولار، والأدوية والتحصينات والمطهرات ولوازم النظافة، وأجر العمالة والإشراف.
المؤكد أن الشعور بالأزمة ورد كون مصر تحقق اكتفاء ذاتى من الدواجن، إذ تنتج اليوم 4,250 مليون دجاجة يوميا، ونحو 36 مليون بيضة يوميا. ومن ثم ما حدث فى الأسواق سبب قدر من الذهول للمواطن، رغم إمكان استشراف الحكومة لما سيحدث دون أن تتحرك إلا متأخرا. وحتى هذا التحرك جاء مع انعدام الرقابة، لأنه جرت العادة فى مصر أن الأسعار ترتفع نتيجة أمر بديهى ومنطقى، لكنها لا تنخفض بانقضاء السبب، نتيجة جشع التجار والمحتكرين والمستغلين، وذلك بسبب ضعف الرقابة الحكومية، وعدم الضرب بيد من حديد على مستغلى قوت الشعب على غرار ما كانت تفعل بعض النظم الشمولية فى السابق، حيث كان يصدر بعضها أحكاما بإعدام المحتكرين (العراق تحت حكم صدام حسين).
والآن ما العمل؟
بشكل عاجل، من المهم بالطبع سرعة الإفراجات اليومية عن الصويا والذرة الصفراء، وتلك الإفراجات لن تأت أكلها بين يوم وليلة بسبب طول دورة تربية الدواجن والتى تتراوح ما بين 35 ــ 45 يوما.
يرتبط بما سبق الرقابة الشديدة على توزيع الذرة والصويا المفرج عنهم، حتى لا يحتكر التوزيع بعض المستوردين. وعلى ذات القدر من الأهمية الرقابة الضامنة لتحقيق العدالة بين صغار وكبار المرابين، حتى لا يزداد الغنى غنى والفقير فقرا.
وعلى صلة بسرعة إنجاز المستورد من الصويا والذرة، من الضرورى الاعتماد على المقايضة بين الصادرات المصرية واستيراد مستلزمات إنتاج الإعلاف، بحيث لا تتأثر الأعلاف بأى أمور تتصل بتوفير الدولار.
على المدى المتوسط والبعيد، من المفيد للغاية التوسع فى زراعة الذرة الصفراء، وهو أمر لن ينقص المساحة المزروعة من القمح، لأن الأول محصول صيفى بينما القمح محصول شتوى. وكذلك جعل تلك الزراعات تعاقدية، بمعنى التعاقد على التوريد قبل بدء الموسم الزراعى. وكذلك الاتفاق مع السودان على زراعة مساحات كبيرة من الذرة والفول الصويا، حيث تتوافر المياه والأرض الصالحة بمساحات كبيرة.
أيضا منح تسهيلات لتأسيس مصانع جديدة لإنتاج الأعلاف، بما يسهم فى زيادة الإنتاج.
وأخير وليس آخرا، إيجاد بدائل مهمة ومجربة دوليا بدلا من الاعتماد على الصويا والذرة فى انتاج الإعلاف. هنا من المهم الإشارة إلى انتاج الأعلاف من البونيكام، والكسب المستخرج من بذرة القطن، وكذلك استخدام المورينجا فى إنتاج الأعلاف كما تفعل بلدان المغرب العربى، وكذلك إنتاج الإعلاف من نبات السايلكورينا كما تفعل بلدان آسيوية كثيرة، ولا سيما وأن هذا النبات ينمو على الماء المالح.