تواجه الأحزاب فى جمهورية البرادعى مستقبلا غامضا.. فهو شخصيا يرفض الترشح لرئاسة الجمهورية من خلالها لأنها ــ وفق ما ذكره أحد المحسوبين عليه ــ أحزاب «تفصيل» تعمل على مقاس النظام ومزاجه.. رغم أن معظم هذه الأحزاب ترفع نفس الشعارات التى يطالب بها البرادعى وعلى رأسها تغيير الدستور وإجراء الانتخابات تحت إشراف القضاء!
أنصار البرادعى يثيرون دهشتى حينما يطالبون بأحزاب مثالية فى بيئة سياسية مشوهة ومكبلة بالقوانين المقيدة للحريات، وحينما يتجاهلون انها ضحية لممارسات السلطة رغم ارتكابها أخطاء فادحة وأجبرت بعضها على الدخول فى تربيطات مشبوهة مع النظام.
هؤلاء الأنصار لا يقدمون بديلا واضحا لكيفية خوض البرادعى انتخابات الرئاسة بعيدا عن الأحزاب، رغم أن فرصته فى الترشح كمستقل معدومة تماما.. وأنا لا أدرى لماذا لا يرشح البرادعى نفسه على قائمة الوفد مثلا على أن يقوم فى حالة نجاحه بتوفير المناخ القانونى والسياسى الذى يعيد للتجربة الحزبية عافيتها المفقودة ؟.. وما الذى يمنع البرادعى من التفاوض مع الأحزاب حول برنامج وطنى يلتزم بتنفيذه فى حالة فوزه يبدأ بإزالة الحواجز التى تكبل حركة الأحزاب.
فى جمهورية عبدالناصر، التى اعتمدت على نظام الحزب الواحد، شهدت مصر تطورات اجتماعية هائلة، وحصل الفقراء على حقوق فى التعليم والصحة والثقافة لم يحصلوا عليها طوال قرون، وإن حرمتهم أجهزة عبدالناصر من حرياتهم السياسية بمنتهى الضراوة وبدون أى مبرر..
وفى جمهورية السادات، قدم لنا النظام تعددية حزبية شائهة ثم سلب منا أعز ما نملك من منجزات اجتماعية قطعة وراء قطعة، خاصة بعد ان حقق السادات شعبية طاغية فى حرب أكتوبر التى حصد ثمرة انتصاراتها العسكرية طبقة جديدة لا أحد يعلم لها أصل ولا فصل أرست قيما استهلاكية مشوهة فى المجتمع..
أما جمهورية مبارك فقد بدأت بوعود زاهية حول ترشيد الانفتاح الاقتصادى وانتهت بتسليم مفتاح الدولة إلى حفنة من رجال الأعمال والمحتكرين فى مناخ يتسم بالفوضى الشديدة، وبتراجع هيبة النظام، وانهيار مكانة مصر الإقليمية والدولية، مع يأس معظم المصريين فى تحسين الأوضاع وسط خوف شديد من المجهول الذى ينتظر البلد.
أما مع البرادعى فنحن نتوقع جمهورية جديدة تستند إلى شرعية يوليو بنصفها الديمقراطي الذى دافع عنه الرئيس محمد نجيب، ونصفها الاجتماعي الذى حاول عبدالناصر إنجازه.. وبأحزاب تمثل كل شرائح المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
آخر ورقة
هل يراهن الدكتور البرادعى على مفاجأة يعلنها الرئيس مبارك بتعديل الدستور وإلغاء جميع القيود على الترشح للرئاسة، أم أنه سيكتفى فقط بتحريك المياه فى حياتنا السياسية الراكدة؟.. مجرد سؤال بريء!