وإجابة السؤال أعلاه، نظريا، لا يملكها إلا«العيان»، الذى تسلل إليه فيروس الفشل، فتعامل معه باعتباره «فيتامين» يتناول منه يوميا قرصين، فتوغل «الصديد» فى معظم أعضاء جسده، دون أن يدرى صاحبنا، الذى تأخذه الجلالة من وقت إلى آخر فيخرج إلى شعبه، ويزف إليه تداعيات فيروس الفشل على أنها فتوحات ربانية.
ولسوء الحظ أن هذا «العيان» لم يعرف حتى هذه اللحظة إجابة للسؤال، وبدأ يبحث عنها فى دفاتر عدد من الرفاق، فنصحه بعضهم بأنه يجب عليه النفخ فى «الميت» الذى احتضر بالفعل حتى يبعث، ويكتمل المشهد، وتستمر لعبة «القط والفار».
غامر الرئيس «المؤمن» أنور السادات، وأخرج أعضاء التيارات الإسلامية من السجون، وسمح لهم بحرية الحركة «دعوة وسياسة وعمل اجتماعى ونشاط طلابى»، فضلا عن النشاط التنظيمى سرى وعلنى، بهدف ضرب التيارات اليسارية والناصرية التى قلبت الشارع ضد «بطل الحرب» الذى خطب فى «الكنيست» وسلم أمريكا مفاتيح المنطقة.. رمى الرجل النرد فارتد إليه نارا، واغتاله أولاده وهو يقف على منصة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر.
لم يعِ مبارك الدرس الذى أنهى حياة سلفه، ولعب بنفس النرد، ووقع عقدا عرفيا مع الجماعة، محظورة فى الإعلام الرسمى فقط، وفى الغرف المغلقة يعقد معها الصفقات وتقسم «تورتة» البرلمان و«البيزنس».. استغل الإخوان انسحاب دولة مبارك من لعب أدوارها الاجتماعية وتمددوا فى كل فراغ تركته، حتى صار لهم فى كل شارع أسرة وفى كل حى شعبة، وفى لحظة فارقة قفزوا على السلطة.
المكسب الوحيد الذى يمكن أن تذكره لـ«30 يونيو» وأنت مطمئن، هو كشف النصف الغاطس فى الجماعة «الربانية»، فحديث قادتها قبل ثورة يناير عن «الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية» سقط مع وصولهم إلى السلطة لتحل محلها مصطلحات «دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود»، وبعد السقوط المدوى ضربت مجموعات «العقاب الثورى» وأخواتها بالرصاص شعار «سلميتنا اقوى من الرصاص».
جماعة الإخوان انتهت كتنظيم، والخلافات والاتهامات المتبادلة بين قادة أجنحتها والتى وصلت إلى حد التشكيك فى الذمم المالية والتعاون مع الأمن، دفعت عددا كبيرا من القواعد إلى مراجعة كل التكليفات والأفكار التى تلقوها من هؤلاء القادة، أما من مضى فى طريق العنف وانضم إلى «داعش» وأخواتها فلن يعود.
لا أحد ينكر حق أى مواطن أيا كان توجهه أو فكره فى أن يعيش آمنا دون ملاحقة، وحتى من ارتكب جريمة فمن حقه الحصول على محاكمة عادلة، لكن أن يفكر البعض سواء من داخل النظام أو من هم على هامشه فيما يطلقون عليه مصالحة تعيد الجماعة إلى الحياة مرة أخرى لتخلط الدعوى بالسياسى والاجتماعى فهو لعب بنفس النار.
دستور 2014 ألزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له، «بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية»، لكنه حظر أيضا قيام أحزاب على أساس دينى.
ولأن حكامنا اعتادوا التعامل مع الدساتير باعتبارها «وردة فى عروة الجاكيتة»، فلم تتقدم الحكومة حتى كتابة هذه السطور بمشروع قانون للعدالة الانتقالية إلى البرلمان ليتم اغلاق هذا الملف، ويأخد كل ذى حق حقه، وينخرط أعضاء الجماعة فى المجتمع كمواطنين غير ملاحقين، يمارسون حياتهم فى إطار القانون والدستور. فى المقابل سمح النظام لعدد من الأحزاب الدينية أن تمارس نشاطها، لـ«شىء فى نفس ابن يعقوب».
النظام مصر على استدعاء الماضى بكل توجهاته وسياساته ورجاله، ولن يكتمل المشهد إلا بعودة الجماعة، ليمارس معها اللعبة القديمة «القط والفار».
لو عاد «الميت» إلى الحياة سيتحول إلى «زومبى»، وسيكون أولى ضحاياه «العيان» الذى رد إليه روحه.