يوم الجائزة - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 1 نوفمبر 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوم الجائزة

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2022 - 6:35 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2022 - 6:35 م

ينصرف لفظ «العيد» لغة، إلى كل يوم يعود على الناس بالفرح، فيتخذونه مناسبة للاجتماع والتلاقى. وفى هذا، يقول، ابن الأعرابى: «سُمى العيد عيدا، لأنه يعود كل عام بفرح متجدد». كما يذكر، ابن عابدين، فى حاشيته :«سمى العيد هكذا، نسبة إلى عوائد إحسان الله على عباده فيه». أما السلف الصالح، فقد أطلق على عيد الفطر «يوم الجائزة»، نظرا لما يغنم فيه الصائم من منح إلهية وعطايا ربانية عظيمة.
شرع الحق، تجلت حكمته، الأعياد الزمانية للمسلمين، مثل عيد الفطر، وعيد الأضحى، بغية الترويح والتسرية عنهم، بشىء من اللهو المباح. فلقد ثبت عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، فى سنن النسائى، أنه قال: «كان لأهل الجاهلية، فى كل سنة، يومان يلعبون فيهما. فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى». وأورد، الإمام أحمد، فى مسنده، عن عائشة، رضى الله عنها، أن أبا بكر، رضى الله عنهما، دخل عليها وعندها جاريتان فى أيام عيد الأضحى، تضربان بدفين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى عليه بثوبه، فانتهرهما. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه، وقال: «دعهن يا أبا بكر، فإنها أيام عيد». وقالت عائشة: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون فى المسجد، يوم العيد، حتى أسأم فأقعد، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو».
ورد فى حديث أبى هريرة، رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه». فأما فرحته الأولى، فتُعجَل له فى الدنيا، حيث تتملكه الغبطة، جراء امتثاله لأوامر ربه، بإتمامه أحد أركان الإسلام. كما يكتنفه السرور، حينما يرفع المولى، عز وجل، عنه مشقة الصيام، بإباحة ما حرَمه عليه طوال شهر رمضان. وأما الفرحة الثانية، فتُؤجَل إلى يوم القيامة، لتتجلى فيما أعده له خالقه، تبارك وتعالى، من جزيل العطاء، الذى لا يعلمه سواه سبحانه، جزاء الصوم. وقد روى أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «قال الله، عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لى وأنا أجزى به». وفى الحديث «المتفق عليه»، روى أبو هريرة، عن رسول اللَهِ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه». وفى حديث سهل، رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «إن فى الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، ولا يدخل منه أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون؟، فيدخلون، فإذا دخلوا، أُغلق فلم يدخل منه أحد بعدهم».
للأعياد الزمانية فى الإسلام، مقاصدها السامية، كتحقيق العبودية الكاملة لله عز وجل، وشكره على ما أنعم به علينا من إتمام فريضة الصيام، وما تيسر من القيام. علاوة على الفرح والسرور، اللذين يعينان المؤمن على طاعة مولاه. ففى يوم الفطر، يستقبل المسلم عيده، بالتبكير إلى إخراج زكاة فطره، قبل صلاة العيد؛ بغية إغناء الفقير عن السؤال، وتعميم الفرحة، قدر المستطاع، فى يوم مبارك. وفى هذا يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن المسألة فى هذا اليوم». كذلك، تجبر زكاة الفطر جوانب الخلل فى الصوم. فقد ينزلق الصائم إلى بعض المخالفات التى تخدش كمال صومه، من لغو، ورفث، وصخب، وسباب، أو نظر محرم. ودليل ذلك حديث ابن عباس، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فرض رسول الله زكاة الفطر، طعمة للمحتاجين، وطهرة للصائم من اللغو، والرفث. من أداها قبل صلاة العيد، فإنها زكاة مقبولة. ومن أخرجها بعدها، فهى صدقة».
بصلة الأرحام، تكتمل الأعياد الزمانية فى الإسلام. وذلك مصداقا لقوله تعالى فى مستهل سورة النساء: «واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا». وفى الآية الخامسة والسبعين من سورة الأنفال: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله». كذلك، أخرج البخارى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن سَرَه أن يُبسط له فى رزقه، ويُنسأ له فى أثره، فليصل رحمه». فى المقابل، يندرج قاطع رحمه ضمن قائمة الذين قال عنهم المولى، تقدست أسماؤه، فى الآية السابعة والعشرين من سورة البقرة: «الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون». ما يعنى أن قطيعة الرحم مقرونة بالبغى والإفساد، فبالإعراض عن دين الله، والتولى عن هدى رسوله الكريم، يستشرى الفساد، وتعم القطيعة. وقد أخرج البخارى، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «خلق الله الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال سبحانه: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك». وقال أبو هريرة: اقرأوا، إن شئتم، الآيتين الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين من سورة محمد: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم».
ليست صلة الرحم مقتصرة على المسلمين وحدهم، بل تمتد لتطال الأرحام غير المسلمة من أهل الكتاب والمشركين. فقد أورد البخارى، أن أسماء بنت أبى بكر، رضى الله عنهما، قالت: «أتتنى أمى راغبة، وهى مشركة، فى عهد النبى، فسألته صلى الله عليه وسلم: آصلها؟ قال: «نعم!». قال ابن عيينة: «فأنزل المولى، عز وجل، فيها، الآية الثامنة من سورة الممتحنة: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». وتلك منتهى الإنسانية والمودة، اللتين ينادى بهما الإسلام، متساميا بذلك فوق اختلافات العرق، واللون، والدين. فصلة الرحم فى الإسلام تشمل الجميع، ما دامت تلك الرحم غير معادية، أو مقاتلة، أو باغية.
عن فرحة العيد الإيمانية، يقول الخالق، جلَ فى علاه، فى الآية الثامنة والخمسين من سورة يونس: «قُلْ بِفَضْلِ اللَهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَا يَجْمَعُونَ». وفى تفسيرها، يقول الإمام، بن كثير، رحمه الله: بهذا الذى رزقهم الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا. فإنه أولى ما يفرحون به، وهو خير مما يكتنزون من حطام الدنيا الفانية. ومن أقوال العارفين، فى هذا المضمار: «ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد». «ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب». «فى ليلة العيد تُفَرَقُ المغفرةٌ والجوائز على العبيد، فمن ناله منها شىء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد». ويقول الحسن البصرى، رحمه الله: «كلُ يوم لا يُعصى اللهُ فيه فهو عيدٌ، كل يومٍ يقطعُهُ المؤمن فى طاعةِ مولاه، وذكرِه، وشكرِه، فهو له عيدٌ».
ما أسعده من عيد، ذلك الذى ينتهز فيه المسلم فرصة النفحات الرمضانية والهبات الإلهية، فيصوم رمضان ويقومه، إيمانا واحتسابا، حتى يخرج منه، مغفورة ذنوبه، مُعتقة رقبته من النار. وما أجمله من عيد، لمن بَيَت النية لأن يكون بعد رمضان مثلما كان خلاله، فيواصل الطاعات ويداوم على الباقيات الصالحات. وما أروعه من عيد، لمن عقد العزم على أن يجعل المقبل من أيامه كله أعيادا، بأن يتجنب المعاصى، والآثام، والفواحش، ما ظهر منها وما بطن. فلا يكاد يمر عليه يوم، إلا وهو فى عيد. فهنيئا لكل عبد منيب، بأعياده المستدامة. وكل عيد، ونحن إلى مرضاة الله أقرب، وعن غضبه ومقته أبعد. ومصرنا العزيزة، والعالم الإسلامى قاطبة، فى خير، ورخاء، وأمن، وسلام.

التعليقات