أشباه شهادات لأشباه ثانوية عامة - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 7:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أشباه شهادات لأشباه ثانوية عامة

نشر فى : السبت 2 يوليه 2016 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 2 يوليه 2016 - 9:00 م

على ناصية حارتنا يقف بائع للسندوتشات، اتفق الأهالى معه على إعداد وجبة غذائية لتلاميذ الحارة، يأخذونها فى طريقهم للمدرسة لقاء مبلغ شهرى ثابت. فى البداية سارت الأمور على ما يرام، ولكن بمرور الوقت تناقص حجم السندوتش وتضاءلت قطعة الحلوى فى العلبة ثم اختفى الاثنان لتحل محلهما قطع من الورق المقوى ــ الكرتون. امتعض الأهالى ولكن الحاج أبوزيد بائع السندوتشات، أرضاهم بزيادة حجم العلبة وكمية الورق المقوى بداخلها. أسبوعا بعد أسبوع ازداد التلاميذ ضعفا وهزالا دون أن ينتبه الأهالى حتى وقعت الواقعة وصارت «الوجبة» حديث القاصى والدانى فى حارتنا والحارات المجاورة. (جدير بالذكر أن الأهالى ظلوا يطلقون عليها هذا الاسم حتى بعد أن خلت من الغذاء تماما).


ظهرت المشكلة عندما بدأ أبوزيد يعطى بعض التلاميذ وجبتين أو ثلاثة، على حساب آخرين كانوا يحرمون من الوجبة على مدى الأسبوع. ساعتها، وساعتها فقط شعر الناس بالقلق واحتجوا.


هذا فى رأيى هو ملخص قصة الثانوية العامة التى تحولت إلى أزمة، فقط عندما ألغيت الامتحانات بعد تسريب الأسئلة وإجاباتها النموذجية على نطاق واسع. رغم أن العملية التعليمية برمتها انهارت منذ سنوات سادت فيها المحاباة، وعمليات الغش الجماعى، واستغلال النفوذ، وتخرجت أثناءها أجيال من التلاميذ لا يجيد كثيرون منهم القراءة أو الكتابة، ناهيك عن فهم مبادئ العلوم والرياضيات والآداب. سنوات طبعها صراع محموم للحصول على أوراق مطبوعة وممهورة بخاتم الدولة وعلامة النسر المهيب. رغم أنها فى الحقيقة لا تعدو أن تكون أشباه شهادات بعد شبه تعليم، هو أليق ما يكون بشبه دولة.


استمرأت الدولة على مدى عقود، أن تنافق مواطنيها بزيادة نسب الناجحين، ورفع درجات التقديرات بشكل يتجاوز حد العبث. قليلة هى الدول التى تصدر فيها تعليمات من القيادات السياسية والأمنية للاحتفاظ بنسب الناجين فى مستوى معين استرضاء للناس، وعبثية إلى حد الاستحالة أن يحصل الناجحون فى أى مكان فى العالم على تقديرات تتجاوز مئة فى المئة، بعد إضافة درجات ما يعرف باسم «المستوى الرفيع». يحدث هذا فى مصر فقط دون أن يشعر أحد بالقلق منه، أو من أن ما يتم حشوه فى عقول التلاميذ وإفراغه فى الامتحانات لا تزيد قيمته ومحتواه على المحتوى الغذائى فى قطعة من الكرتون.


إلى أى مدى نريد أن يصل الانهيار قبل أن نبدأ التفكير فى إعادة بناء هذه المنظومة الحيوية التى يرتبط بها بقاء هذه الأمة. ماذا ننتظر بعد تغول «أساطير» الدروس الخصوصية، وانتشار عمليات التلقين العقيمة على أنغام موسيقى ورقصات التنورة، بغرض رص و«تستيف» الكلمات فى أذهان الطلبة ليتسنى لهم استرجاعها وإفراغها على أوراق الإجابة.


هل يوجد على المستوى التنفيذى من يعمل على وضع خطة للنهوض بالتعليم، يتعدى هدفها مجرد توزيع شهادات قد لا تتجاوز قيمتها الحقيقية تكلفة الورق، وحبر الطباعة؟


هل هناك من يفكر فى إعادة رسم فلسفة التعليم، لتحديد القيم التى نريد أن تترسخ فى نفس الطالب خلال سنى الدراسة؟ أو يضع استراتيجية تربط المناهج التعليمية باحتياجات سوق العمل فى مصر بعد عشر سنوات أو عشرين؟


هل يوجد على مكتب الوزير سؤال آخر بخلاف نحتفظ بالامتحان أو نعيد الامتحان؟ أو تفكير فى حل آخر للأزمة خارج إطار العودة لترشيد توزيع وجبات الورق المقوى على التلاميذ؟

التعليقات