نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب «نصرى الصايغ» نعرض منه ما يلى:
لا تخافوا على لبنان. ثبت أنه الأقوى. هو باق، باق، باق.
لا تتفاءلوا بالغضب. لا تعوِلوا على التظاهر. لا تأملوا خيرا من أى حراك. لا تطمحوا للتغيير. لا تحلموا بالإصلاح. لا تتوقعوا التحسين. كل الأبواب مغلقة. لبنان «المتهالك» جدا، محصن جدا. هو باق، باق، باق.
لا تصدقوا الأفكار الجميلة. لا تغشوا أنفسكم بأن الحالة لم تعد تطاق. لا تلوموا «الشعب»، أو الشعوب اللبنانية على عدم استجابتها. هى تعرف أن الجدران السميكة أقوى من الرءوس اليانعة.
كفوا عن الأحلام. إنكم لا تشبهون أهل السودان، ولا شعب الجزائر ولا جماهير تونس. اللبنانيون الحالمون محكومون بأن يكونوا أبرياء فقط، مع القليل من الغباء. لو حشدتم كل غضبكم، فلن تكونوا عشر طائفة من الطوائف، واليكم الدليل:
لو قرر رئيس الجمهورية أن يدعو جماعاته إلى الشارع، فكم ألفا سيلبى؟ بالتأكيد، أكثر من خمسين ألفا. قد يبلغ الرقم المائة ألف… لو قرر الرئيس برى أن يملأ الشوارع بغمزة منه، فكم تكون الأرقام؟ خمسون ألفا، أم مائة ألف؟ لو قرر السيد حسن نصرالله دفع جموعه إلى الشارع، لفاضت بعشرات الألوف وأكثر. لو قرر وليد جنبلاط إقفال الجبل بالمحازبين والمؤيدين، لأظهر قوة فى طائفته لا تدانيها قوة. وبرغم ضعف سعد الحريرى، فما زال قادرا على اكتساح الساحات السنية بعشرات الألوف وأكثر… وهكذا دواليك.
هذه الفرضيات، قابلة للتحقق، حتى ولو كانت أكثرية الأتباع من كل الطوائف، تعانى من الأزمات، كل الأزمات.
إذن، لبنان قوى جدا. التغيير بالشارع، حلم ليلة صيف. التغيير بالقوة، فقل، لا حول ولا قوة إلا عند الطوائف. التغيير «الديمقراطى» كذبة بلقاء، كيفما كان قانون الانتخاب. التغيير بالعنف الطائفى، حصل، وأنتج حكما طائفيا محصنا ونظاما أشد طائفية، وسلطات تتقن فنون الفساد والافساد و… الخيانات العلنية، والتعايش الواضح معها، والخونة مدعومون جدا ومعلنون جدا. فلبنان، «بيت بخيانات متبادلة».
لا تحاولوا إجراء مقارنات بين لبنان وغيره من الكيانات والدول. لبنان لا يشبه إلا نفسه. مذ تأسس الكيان، أعطى صك ملكيته أولا للطائفية المارونية، ثم أعطى صك آخر فى العام 1936 للطائفة السنية، ثم منحت الطائفة الشيعية صك ملكية فى ستينيات القرن الماضى. الصك الدرزى، سابق للكيان، من زمان… لبنان لهؤلاء فقط. هكذا هو منذ مائة عام، وبالتقسيط. نظامه يشبهه ويشبه ناسه. لا غربة بين النظام الطائفى و«شعبه» أو شعوبه. لا فصل بين قيادات الطوائف وشعوبها. لذا، لا مساس بالطوائف وزعمائها. هذا الكيان لها، وهو مدعوم بقوة هائلة من «همج» الأتباع، حيث لا تفكير، إلا لفكر الزعيم والقائد وصاحب الرتبة المتوارثة.
وعليه، لا تخافوا على هذا اللبنان، إلا إذا انقسم على حاله. ولقد ثبت أن الانقسام هو أكسجين السياسة. إنه المنقسم دائما، وغير الملتئم، إلا على زغل، بأسلوب «التفاهم» أو «الصفقة» أو «الاتفاق»، على التقاسم. مائة عام، ولبنان هذا، لم يلتئم. لا أصبح دولة، ولا صار وطنا، ولا أفلح نظاما، ولا تحول إلى ديمقراطية، ولا عرف تنمية، ولا.. ولا.. إلى آخره.
هكذا كان وهكذا ظل. مائة عام من التجارب، كافية لإعلان فشل لبنان التام. والغريب أن لا بديل.
لبنان خلص. لا تحلموا ولا تتأملوا. خذوه على علاته. سيبقى سيئا ويرتقى إلى الاسوأ. كان يمكن أن يكون دولة ووطنا ونظاما ديمقراطيا. لكن ذلك لم يحدث ولا مرة. انظروا إليه جيدا. إنه يشبه ماضيه، ولكنه أبشع منه.
لبنان هذا خلص. ولكنه باق. ممنوع أن يموت نهائيا. لا وريث له، غير ورثة زعمائه الحاليين. لنفرض، لا سمح الله، أن انتقل زعماؤه إلى العالم الآخر. لن تكون هذه المعجزة نهاية للكيان. ورثتهم موجودون، وهم على دين آبائهم.
لذلك، نقول للذين يحلمون، أن استيقظوا. فكروا فى وضح النهار وفى وضح الوقائع وفى وضح التاريخ. لن تجدوا إلا هذا اللبنان. وسيبقى حيا يرزق على الحافة. ولو انهار اقتصاده وانزلق إلى الهاوية.
هذا حظنا من سايكس ــ بيكو. تبا. ما صنعه سايكس ــ بيكو لا يقوى عليه اللبنانيون.
هل هذا يأس؟
طبعا. إنه أفضل ألف مرة من الأمل الكاذب.
ماذا بعد؟
لا شىء. سندخل المحنة. سنعانى. سنغضب. س … ومن ثم، سنعود أدراجنا لنعلك السياسة الطائفية، التى علكها من قبل، من سبقونا.
حذار التفاؤل. إنه مرض يورث الخسارة.
وبرغم كل ذلك… لا نقوى على أن نكره لبنان. للأسف الشديد، إننا نحب بلدنا كثيرا، مع أنه يكرهنا كثيرا. ونحب شعبنا الذى استقال من زعاماته.
سنبقى لبنانيين، بكل أسف، وبكل جدارة، ولن نرتكب العار الطائفى.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2ng04l5