ضحايا الموضة البريطانية - بول كروجمان - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 11:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضحايا الموضة البريطانية

نشر فى : الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 10:07 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 10:07 ص

 فى ربيع 2010، أصبح التقشف المالى موضة. وأنا اخترت هذه الكلمة بأناة. فالاجماع المفاجئ من المسئولين، ذو الأهمية على ضرورة تحقيق التوازن فى الموازنة العامة الآن وفورا، لم يكن مستندا إلى أى نوع من التحليل الدقيق. بل كان أقرب إلى الصيحة، ذلك الشىء الذى يقوم الجميع بتصديقه لمجرد إيمان النخبة به.

إنها صيحة آخذة فى الأفول أخيرا، بعدما تجمعت الدلائل التى تثبت أن دروس الماضى لا تزال مهمة، وأن محاولة تحقيق التوازن فى الموازنة العامة فى ظل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع التضخم تعد فكرة سيئة. ومن الملاحظ أن خرافة «زيادة الثقة» قد فُضحت.

إذ انتشرت المزاعم بأن خفض عجز الموازنة سوف يؤدى فى الواقع إلى انخفاض معدلات البطالة، بفعل ما يصاحبه من طمأنة المستهلكين والشركات. لكن العديد من الدراسات التى اعتمدت على البيانات التاريخية بما فى ذلك دراسة أعدها صندوق النقد الدولى كشفت عن افتقار هذا الادعاء إلى أى أساس فى الواقع.


لكن أية صيحة تحظى بالانتشار لابد أن تخلِّف ضحايا قبل زوالها. وفى حالتنا هذه، كانت الضحية الشعب البريطانى الذى شاء حظه العسر أن يكون تحت حكم حكومة تولت السلطة عندما كانت صيحة التقشف فى أوجها وهى حكومة لن تُقر بخطأ ذلك.

وتعانى بريطانيا، مثلها مثل أمريكا، من تبعات فقاعة الاسكان والديون. لكن زيادة حدة المشكلة فى بريطانيا ترجع إلى الدور الذى تقوم به لندن كمركز مالى عالمى. فقد أصبحت بريطانيا تعتمد بصورة أكثر من اللازم على الأرباح التى تحققها من السياسات المراوغة التى تلجأ إليها فى تسيير الاقتصاد، وعلى الضرائب الواردة من قطاع الأموال للإنفاق على البرامج الحكومية.

ويفسر الإفراط فى الاعتماد على القطاع المالى سبب ارتفاع عجز الموازنة فى بريطانيا التى دخلت الأزمة فى ظل دين عام منخفض نسبيا إلى 11% من إجمالى الناتج المحلى، وهو ما يعد أسوأ قليلا من العجز الأمريكى. ولعله من المفروغ منه أن بريطانيا تحتاج فى نهاية المطاف إلى موازنة دفاترها بالحد من الإنفاق وزيادة الضرائب.

لكن الكلمة التى يجب أن توضع فى إطار الأهمية هنا هى «بالتدريج». ذلك أن التقشف المالى سوف يؤدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادى، إلا إذا جرى التعويض عنه بخفض معدلات الفائدة. وفى الوقت الراهن، تُعتبر الفائدة فى بريطانيا كما هو الحال فى أمريكا منخفضة للغاية بالفعل، مما لا يسمح بالمزيد من الانخفاض.

إذَن فالتصرف المعقول هو وضع خطة من أجل ترتيب البيت المالى للبلاد، مع الانتظار لحين حدوث تعانى اقتصادى قوى قبل القيام بتلك الخطوات.
لكن الموضات السائدة تفتقر إلى العقلانية ويبدو أن الحكومة البريطانية تصر على تجاهل دروس التاريخ.

من الممكن أن تكون الموازنة البريطانية التى أُعلنت يوم الأربعاء والخطاب الذى صاحب هذا الإعلان خرجا مباشرة من مكتب آندرو ميلون، وزير الخزانة الذى نصح الرئيس الأمريكى هربرت هوفر بمواجهة الكساد عبر تصفية المزارعين والعمال وتخفيض الأجور. وإن فضلت الاحتذاء إلى أمثلة بريطانية، فإن تلك الموازنة هى أشبه بموازنة سنودن لعام 1931، التى حاولت استعادة الثقة، ولكنها انتهت بتعميق الأزمة الاقتصادية.

يقول الخبراء: إن خطة الحكومة البريطانية تتسم بالجرأة، وهى كذلك بالفعل. لكنها تسير بجرأة حقيقية فى الاتجاه الخاطئ. فسوف تؤدى الخطة إلى تخفيض عدد العاملين بالحكومة بمقدار 490 ألف شخص، وهو ما يساوى فصل ثلاثة ملايين عامل فى الولايات المتحدة فى وقت لا يستطيع فيه القطاع الخاص تقديم فرص عمل بديلة لهؤلاء. وسوف تقلل الخطة الإنفاق فى وقت لا يستطيع فيه الطلب الخاص التعويض عنه.

لماذا تفعل الحكومة البريطانية ذلك؟ يتعلق السبب الرئيسى إلى حد كبير بالأيديولوجية، حيث يستخدم حزب المحافظين الركود كذريعة لتقليص حجم دولة الرفاه. لكن التعليل المعلن رسميا هو عدم وجود خيار آخر.

فى واقع الأمر، شهدت الأسابيع الماضية تغييرا ملحوظا فى خطاب حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وهو تغيير يعكس الانتقال من الأمل إلى الخوف. ففى الخطاب الذى أدلى به جورج أوزبورن، وزير الخزانة، معلنا خطة الموازنة، بدا أنه يئس من مبدأ «زيادة الثقة» ــ أى من الادعاء بأن الخطة سوف تترتب عليها آثار إيجابية فيما يخص التوظيف والنمو.

وبدلا من ذلك، ركز الخطاب على التنبؤات التى تلوح فى الأفق حال فشل بريطانيا السير فى هذا الاتجاه. لا تلقوا بالا لواقع أن نسبة الدين البريطانى إلى الدخل القومى أقل بالفعل من المتوسط التاريخى. ولا تلقوا بالا لواقع أن معدلات الفائدة البريطانية ظلت منخفضة، حتى فى ظل ارتفاع عجز الموازنة، وهو ما يعكس اعتقادا من جانب المستثمرين بأن البلاد يمكنها السيطرة على ماليتها. وقد أعلن السيد أوزبورن أن بريطانيا على «حافة الإفلاس».

ما الذى يحدث الآن؟ قد يحالف الحظ بريطانيا، ويأتيها شىء ينقذ الاقتصاد. لكن التخمين الأكثر واقعية هو أن بريطانيا فى عام 2010 سوف تشبه بريطانيا فى عام 1931، أو الولايات المتحدة فى عام 1937، أو اليابان فى عام 1997. أى أن التقشف المالى السابق لأوانه سوف يؤدى إلى تجدد الركود الاقتصادى. وكما هو الحال دائما، فإن أولئك الذين يرفضون التعلم من الماضى محكوم عليهم بتكراره.

بول كروجمان حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
التعليقات