شئنا أم أبينا فإن الإنسان عاش من أجل الإحساس بالتفوق على من يعيشون معه أو حوله، والإحساس بالتميز حاسة متنامية بين الأجناس البشرية، فى الشرق والغرب، وبين المؤمنين بديانات وعقائد دون أخرى، وفى فيلم «يوم فى العالى»، وربما للمرة الأولى فى تاريخ السينما فإن الصراع القائم على التميز يخص شخصين من المهنة نفسها، لكن للأسف فإن الشخص الأول، واسمه عثمان، يعمل «كمسرى» فى الترام، ترام مدينة القاهرة القديم عام 1946، أى عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، أما الشخص الثانى فهو أيضا كمسرى فى المترو، واغلب الظن أنه مترو حلوان الذى كان يسير بين باب اللوق، وحلوان، باعتبار أن خط المرج كان يسير فيه القطار بما يعنى هيئة السكة الحديد، نعم هكذا كانت الخصومة، وموانع الحب والزواج فى فيلم قديم تم انتاجه عام 1946، باسم«يوم فى العالى» اخراج حسين فوزى، بطولة على الكسار فى دور كمسرى الترام، والمطرب محمد الكحلاوى فى دور ابنه طأطأ ميكانيكى السيارات، الذى تفضله الراقصة الجميلة التى تجسدها حورية محمد، على ثرى الحرب الذى يجسده عبدالفتاح القصرى فى واحد من أندر أدواره التى تخلى فيها عن الجلباب البلدى، اما حسن فايق فهو كمسرى المترو الذى يفخر كثيرا بالزى الرسمى لمهنته، وخاصة انه كمسرى، لكنه لن يلبث أن يشعر بالهزيمة الاجتماعية عندما تتم ترقية جاره عثمان، وهو فى الوقت نفسه صاحب البيت الذى يسكنه خصمه، ويحظى هذا الموظف باحترام ومهابة شديدة بين سكان منطقته بسبب الزى الرسمى للكمسرى، وتبعا لهذه المهابة فإن الكمسرى ما إن يدخل ببدلته إلى محل الحلاقة حتى يتم ابعاد الزبون الذى يحلق، من أجل قص شعرعثمان، لكن هذا الأخير سوف تتم ترقيته ليصبح مفتشا، وليتغير تصميم الزى الجديد، لكن الناس يحبونه فى صورته الأولى، ولن يعودوا إلى توقيره الا بعد أن يعود إلى بدلته القديمة
فى الفيلم الدى يقوم فيه على الكسار بواحد من بطولاته الأخيرة نراه مجددا يسمى باسم عثمان، وهو الاسم الذى صاحبه فى أغلب مسرحياته، وأفلامه، حتى صار يؤدى الأدوار الصغيرة فلم يعد يهتم بماذا يتسمى، اما الشباب فى الفيلم فيمثلهم العاشقان طأطأ ( الكحلاوى) الميكانيكى الذى يحب الغناء، والراقصة نوسة (حورية محمد) التى تعمل فى الصالة التى يمتلكها غنى الحرب، والتى تفضل الوقوع فى غرام الميكانيكى من اللقاء الأول، ما يصدم قلب غنى الحرب، ورغم ذلك فانه يقدم له فرصة الغناء فى الصالة.
وقد رأى المخرج حسين فوزى الذى كتب السيناريو، أن على بطله أن يظل يعمل ميكانيكى سيارات بدلا من الاستمرار كمطرب، ولاشك أن هذه المناظير الاجتماعية تعكس صورة المجتمع عقب نهاية الحرب العالمية مباشرة، فالأب يود أن يزوج ولده من ابنة جاره لعدة اسباب منها أنهما أبناء مهنة واحدة، كما أن ابنة الجار تحب طأطأ، لكن هذا الأخير يريد الزواج من نوسة التى عليها أن تتعرض لاختبار ثلاثى تثبت فيه أنها ستعيش مع زوجها مهما كانت ظروفه، ومهما أصابته الأمراض المستعصية.
الناس لا تعرف هذا الفيلم، وهو موجود على اليوتيوب غير مكتمل، لكنه ملمح مهم من تاريخنا السينمائى، ومن المهم الاشارة إلى بطلة الفيلم حورية محمد فقد كانت الراقصة رقم 2 فى تلك السنوات بعد تحية كاريوكا، قبل أن يبزغ اسم سامية جمال فى نهاية الأربعينيات، والحق أنها كانت راقصة جميلة مقبولة الشكل والأداء، وقد كونت ثنائيا عمل مرارا معا أمام محمد الكحلاوى منها فيلم «حسن وحسن»، و«أسير العيون» و«كابتن مصر» وقد ظلت ترقص فى السينما طوال عشرين عاما، ومثلما حصلت على البطولات المطلقة اكتفت فقط بالرقص قبل أن تعتزل وتبقى خارج الاضواء حتى وفاتهاعام 1970، الغريب أنا لم تأخذ حقها من المتابعة النقدية، ولولا بعض بالبطولات خاصة «شارع محمد على» من اخراج نيازى مصطفى لظلت فى عداد المجهولات، حيث أن العديد من افلامها لم يتم العثور عليها عرضها لى اليوتيوب، ومنها «ورد شاه» 1947.