رغم عنف العمليات العسكرية التى تقوم بها تنظيمات إرهابية فى سيناء ،وإلحاقها مؤخرا خسائر بشرية فادحة بقوات الجيش والشرطة، فإن هذه العمليات ستظل مجرد «فرقعة إعلامية»، ليس لها أى مردود سياسى يغير من موازين القوى على أرض الواقع، فمهما بلغ عنف هذه العمليات الارهابية، لن يستطيع هذا التنظيم الارهابى أو ذاك احتلال أراض فى سيناء، أو حتى فرض سيطرته على مناطق بعينها بعيدا عن نفوذ الدولة، كما يحدث مع داعش فى العراق وسوريا أو مع الإخوان المسلمين فى ليبيا أو مع الحوثيين فى اليمن.
على المدى القريب، يمكن القول إن الانجاز الوحيد الذى يمكن أن تحققه هذه العمليات الإرهابية لن يزيد على إثارة «الشوشرة» على المؤتمر الاقتصادى المقرر عقده فى مارس القادم، وإثارة الازمات المعيشية أمام ملايين الفقراء الذين كانوا يحلمون بحياة كريمة بعد ثورتى يناير ويونيو، على أمل أن ينفضوا عن ثورتى يناير ويونيو، وينضموا إلى معسكر الثورة المضادة برعاية الإخوان وشركائهم.
أما على المدى البعيد، فإن التنظيمات الارهابية ستواصل بالتأكيد عملياتها فى سيناء وربما فى أماكن أخرى من البلاد، بدعم لم يعد سريا من دول عديدة على رأسها تركيا، لكى تدفع الرئيس السيسى تحت ضغوط المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية لاتخاذ قرارات معادية للحريات تحت ذريعة مواجهة الإرهاب، وهو ما سوف يبعد عنه بالتأكيد قوى ثورية وشبابية كانت تعقد عليه آمالا كبيرة فى تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وطبقا لحسابات الإخوان وحلفائهم من التيارات المتطرفة، فإن هناك تغيرات إقليمية بدأت رياحها تهب على المنطقة بعد رحيل العاهل السعودى الملك عبدالله، باعتبار أن الملك سلمان له توجهات مختلفة إلى حد كبير عن سلفه الراحل، وأنه يرتبط بعلاقات قوية مع قطر وتركيا، ولا يتحمس لخطط الاستثمارات السعودية فى مصر، إضافة إلى إطلاق تسريبات حول مخططات أمريكية تستهدف دمج الاخوان فى منظومة الحكم الجديد فى مصر، وهو ما قد يستتبعه بالضرورة الإطاحة ببعض الرؤوس الكبيرة فى الحياة السياسية المصرية لتنفيذ هذا المخطط، وهو السيناريو الذى عبر عنه بغباء شديد إعلامى إخوانى مشهور، حينما طالب وزير الدفاع صدقى صبحى على الفيسبوك بالقيام بانقلاب عسكرى ضد السيسى، والاستيلاء على السلطة، لكى يحقق المصالحة مع الإخوان، وهى الدعوة التى تواكبت مع زيارة مشبوهة لعدد من أعضاء ما يطلق عليه المجلس الثورى المصرى إلى واشنطن، وعقدهم لقاءات غامضة مع مسئولين أمريكيين!
قد تقوى هذه التغيرات الاقليمية من موقف الإخوان والتنظيمات المتطرفة التى تؤيدهم، لكن لدى السيسى فى المقابل العديد من الأوراق الرابحة لمواجهة مؤامرات الإخوان ومن يقف وراءهم، منها تفعيل علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الصين، وتعزيز العلاقات مع روسيا، وفتح أبواب الحوار مع إيران، والاهتمام بالعلاقات مع السودان، لكن الرئيس - كما يبدو حتى الآن – يتحرك بدون فلسفة فكرية معينة أو مرجعية سياسية واضحة، يستند ونستند معه إليها فى معاركنا على مختلف الجبهات، وتحتشد وراءها جموع المصريين لتحقيق أهداف وطنية وقومية محددة، فالحرب على الإرهاب هى الوجه الآخر للحرب على الفقر، وهى معادلة تتطلب إعادة هيكلة اقتصادنا القومى، وإفساح المجال للدولة لتضبط إيقاع النشاط الاقتصادى وتحدد كيفية توزيع عوائده بشكل عادل، كما تتطلب أيضا بناء نظام سياسى ديمقراطى يحمى الحريات العامة التى تصادرها الأفكار الفاشية للتنظيمات الإرهابية المتطرفة..
بدون هذه المرجعية الفكرية الغائبة عن نظامنا السياسى، لن نستطيع هزيمة هذه التنظيمات الدموية فى سيناء، فالمعركة الحقيقية معها هى معركة أفكار لا بنادق أو مدافع أو طائرات..