كل صحف العالم لم تأخذ بأى قدر من الجدية «صفقة القرن» التى طرحها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يوم الثلاثاء الماضى، كل التحليلات الجادة لهذه الخطة أكدت أنها جاءت فقط من أجل أهداف انتخابية تخدم الرجلين، وليس لها أى علاقة حقيقية من قريب أو بعيد بالسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ترامب الذى يحاكم أمام الكونجرس وتحميه الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ من العزل من منصبه، طرح هذه الخطة ليغازل بها القاعدة الانتخابية الكبيرة من المسيحيين الإنجيليين فى بلاده التى تضم 50 مليون أمريكى ليضمن أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والذين يرون كلهم أن إسرائيل هى هبة الله لليهود، ويؤمن بعضهم بنبوءات «نهاية الزمان» فى الكتاب المقدس ويلتزمون بالمعنى الحرفى لنصوصه، ويعتقدون اعتقادا جازما أن سيطرة اليهود على أرض فلسطين تسرع من معركة هرمجدون والعودة الثانية للمسيح ليقيم على الأرض مملكة السماء!
أما نتيناهو فيواجه مصيرا أكثر خطورة، حيث إن سقوطه فى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الشهر القادم سيعنى محاكمته على جرائم فساد واستيلاء على المال العام، وقضاؤه عدة سنوات فى السجن!
أما الأمر المثير للأسى والحزن، فإن موقع العرب فى هذه الصفقة بكل حقوقهم المشروعة، وبكل ما يملكونه من ثروات وقدرات اقتصادية وعسكرية وبشرية، أصبحوا مجرد ورقة انتخابية فى حسابات ترامب ونتنياهو، ليس لها أى قيمة سياسية على المدى الطويل، وما جرى خلال السنوات الثلاث الماضية من تأييد ترامب ليهودية دولة إسرائيل، واعترافه بالقدس عاصمة لها، ونقل سفارة بلاده إليها، ورفضه لكل القوانين الدولية التى تعطى حق العودة للفلسطينيين لأراضيهم ــ يؤكد بوضوح أن الرجل لا يعطى للعرب أى اعتبار، بل أنه وبخ أجدادنا على خوضهم حرب 1948، وكأنه ببجاحة يطالبنا بالاعتذار لإسرائيل عن عدم مساعدتها لسرقة بلادنا!
«صفقة القرن» تم تنفيذها بالفعل على مراحل خلال السنوات الثلاث الماضية، وبدون أن نتخذ ضدها أى إجراء جاد، بل إن البعض منا طالب بدراسة الصفقة قبل أن نصدر حكما نهائيا بشأنها، كل ما ينقص هذه الصفقة هو تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وتبادل السفارات بينها، وتسليم مفاتيح المنطقة لإسرائيل لتفعل فينا وبنا ما تريد!
ما يجب أن ندركه حكاما ومحكومين فى منطقتنا، أن النظام الإقليمى العربى على المستوى الوظيفى أصبح فى أضعف حالاته ربما طوال تاريخنا كله، أحواله تدعو للرثاء، لا هو قادر على استيعاب متغيرات العصر وحل أزماته الداخلية، ولا هو قادرعلى مواجهة مؤامرات أعداؤه فى الخارج لا سياسيا ولا بالقطع عسكريا.
البحث عن نظام إقليمى عربى جديد ــ كانت ثورات الربيع العربى إحدى بشاراته الساطعة – هو المهمة العاجلة التى نسعى إليها بتحديث البنى الاجتماعية والسياسية، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية فى الحكم والسلطة، وممارسة السياسة بالقيم الديمقراطية الحقيقية، وإطلاق الحريات العامة، وهى أهداف لن تتحقق بسهولة فى ظل موازين القوى الراهنة، وقد يرى البعض أنها لن تتحقق إلا بفاتورة باهظة من التضحيات، لكنها الطريق الوحيد المتاح أمامنا قصر الزمن أو طال.
فى ظل هذه النظام العربى المنشود لن يستطيع أى رئيس أمريكى حتى لو فاق ترامب فى البلطجة أو الحماقة أن يتهاون فى حقوقنا إلى هذا الحد المريع، أو أن يمارس ضدنا أحط أساليب والابتزاز وهو يوقن بأنه لن يواجه بأى رد فعل جاد، ولن يستطيع أى مسئول إسرائيلى أن يحلم بأكثر من حدود 5 يونيو 1967!!