صدر يوم الثلاثاء الماضى إدانة جديدة لإسرائيل، وهذه المرة من قبل منظمة العفو الدولية. التقرير المطول الذى سينشر كاملا فى وقت لاحق، حمل الكيان الصهيونى المسئولية عن عديد الانتهاكات التى ترتكب بحق الفلسطينيين فى أرجاء فلسطين كافة، من البحر إلى النهر ومن رفح إلى الناقورة.
التقرير الذى اتسم بالجراءة وصف الكيان الصهيونى بالعنصرية، وممارساته بأنها ترقى إلى سياسات الأبرتايد التى تميز وتصنف الناس على أساس ديانتهم وأصولهم وأعراقهم.
مؤخرًا صدر تقريران آخران من قبل منظمتى «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية و«هيومن رايتس ووتش» الدولية، ولم يختلف تقرير العفو عن تقريرى المنظمتين، وجميعها وصف سياسات الكيان الصهيونى بالفصل العنصرى، فى أنحاء فلسطين كافة.
بالطبع رفضت إسرائيل التقرير، ووصفته على لسان وزارة الخارجية بالمنحاز والمبالغ فيه، واعتبرته منكرًا بشكل مطلق لحق (إسرائيل) فى الوجود. وهى الشماعة التى دائما ما تحمل إسرائيل نواكبها العنصرية على مثل تلك الاتهامات، كى تضع المتهم لها فى موضع المدافع عن نفسه، بأنه معادٍ للسامية، ورافض لحق إسرائيل فى الوجود. وهو ما سارعت «العفو الدولية» لنفيه جملة وتفصيلا.
وعلى أية حال، فإن الموقف الأخير لمنظمة العفو، هو ضمن مئات المواقف التى أدانت إسرائيل بسبب ممارساتها ضد أصحاب الأرض، وضد سياسات القتل والتشريد وطرد السكان وتحويلهم للاجئين ونهب الموارد والثروات وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية، والإمعان فى التنكيل والإهانات اليومية بسبب غطرسة القوى، والاعتماد على الدعم الخارجى الدولى ومؤخرًا العربى.
والمعروف أن تلك الأفعال والتصرفات والسلوكيات قد أتت منذ تأسيس ذلك الكيان فى نهاية خمسينيات القرن الماضى كمشروع استعمارى استيطانى، مدعوم من قبل القوى الإمبريالية الغربية، بزرع كيان صهيونى غاصب فى تلك المنطقة الحساسة من العالم، الغنية بالثروات، بغرض منع تنمية وتقدم بلدانها، وإيجاد حليف دائم وذراع للغرب فى تلك المنطقة لتنفيذ سياسات الهيمنة وحراسة المصالح، وهو ما استمر من قبل تلك القوى الغربية بعد ذلك لعشرات السنوات، فى دعم بلا حدود ليس للكيان المشوه الوليد على أنقاض المذابح والعصابات الصهيونية عند النشأة الاستعمارية لهذا الكيان، بل تعدى الأمر ذلك من خلال دعم الكيان الصهيونى فى الاعتداء على البلدان العربية من حوله، لا سيما فى مصر ولبنان والأردن وسوريا، إضافة إلى الاعتداءات على البلدان الأخرى فى الأقليم العربى كتونس والعراق والسودان، وذلك طيلة العقود السبعة الماضية.
سياسات الغرب تجاه الكيان الصهيونى هى من أمد هذا الكيان بسر وجوده، فبعد استنزاف الألمان بحجة المحرقة، سعت عديد الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وقبل ذلك إنجلترا وفرنسا وروسيا، للنيل من قوى التحرر والاستقلال والخروج من نير التبعية للغرب، بمحاولات قصم ظهر عديد النظم العربية التى تأخرت فيها (وما زالت) جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وراحت تلك البلدان تلملم آثار العدوان والحرب واستيعاب اللاجئين المطرودين من أرضهم، وتبحث عما يوقف نزيف الفتن الطائفية التى غذتها الممارسات الصهيونية بدعم كامل من الغرب، وذلك فى انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة التى قننت وجودها فى نهاية خمسينيات القرن الماضى، فدعمت وقوَّت من شوكة الاستيطان، وأمدت الكيان الاستعمارى بالسلاح غير التقليدى والتقليدى، واعترفت بضمه لما تبقى من أراضٍ خارج نطاق تقسيم الأمم المتحدة، على النحو الذى قام به دعاة مذهب الصهيونية المسيحية التى دعمت الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى التأييد الأمريكى لضم الجولان والقدس الشرقية، والضغط على بلدان عربية جديدة لتقيم علاقات من الكيان الصهيونى، أملا فى مد فترة بقائه لأطول مدى ممكن.
كل ما سبق من حديث لا ينبغى أن يفضى بنا إلى كونه نوعا من الكلام المكرر أو الاستهلاك المحلى، فخطاب اليأس هذا هو ذاته ما دفع نظما كثيرة للتطبيع مع الكيان الصهيونى.
وآية الأمل فى هذا الحديث هو إن إسرائيل أولا أمام استحقاق بديهى حكاه التاريخ على مر الدهر، وهو زوال الأمبراطوريات، أى أن الطرف الداعم لن يبقى على حاله مستقبلا. ثانيًا، إن الكيان الصهيونى على طول تأسيسه (سبعة عقود ونيف) لم يصل بعد إلى الكيان الصليبى الذى تأسس فى الماضى فى المنطقة وفنى بعد أكثر من 170 عامًا على تأسيسه. وثالثا، أن القنبلة السكانية العربية هى ما يراهن عليها فى هذا الصراع الممتد. ورابعًا، لن يعدم التاريخ مستقبلا ظهور محاولات قد يتكلل بعضها بالنجاج لامتلاك قوى غير تقليدية تناطح الترسانة الصهيونية، ما يقصم ظهر قوى الاستحواذ والتفرد.