تحدثنا منذ أسبوعين عن أهمية انتقال الدولة الوطنية القطرية من وضعها الحالى الملىء بنقاط الضعف إلى الدولة الوحدوية، تدريجيا وسلميا وتضامنيا متبادلا، مع باقى الأقطار العربية الأخرى. وبينا أهمية البدء بخطوات ونشاطات تهىء وتسهل ذلك الانتقال، كخطوة إصلاح الجامعة العربية من أجل قيامها بدور نشط ومبادر فى حقول التوحيد القومى فى شتى الحقول المجتمعية. وبالطبع سيكون إصلاح الجامعة فى الأساس على أيدى أنظمة الحكم العربية.
دعنا اليوم ننظر فى أنواع الأدوار التى يمكن لمؤسسات المجتمعات المدنية العربية القيام بها وذلك من أجل المساهمة فى تهيئة الأجواء لذلك الانتقال الوحدوى المنشود.
فى اعتقادى أن مبادرة جميع الاتحادات أو التجمعات الوطنية، فى جميع الحقول ودون أى استثناء، لطرح والعمل من أجل قيام اتحادات قومية عروبية فيما بين تلك الاتحادات الوطنية، سيكون مدخلا لخلق تلك الأجواء الإيجابية الوحدوية. ويستطيع بعض أعضاء تلك الاتحادات الوطنية، إن وجدوا ترددا من قبل قياداتهم أو تزمتا وطنيا لا يقبل فكرة العمل العربى المشترك، أن يبادروا بطرح الموضوع أثناء اجتماعات الهيئات العامة لتلك الاتحادات وإقناع الأغلبية بتبنى التوجه الوحدوى فى حقل نشاطهم.
إن قيام الاتحادات القومية العربية سيساهم إلى أبعد الحدود فى ترسيخ وتجذير مشاعر الانتماء إلى وطن عربى واحد وأمة عربية واحدة، وفى اكتشاف ميزات العمل العربى الجماعى وقدراته الهائلة، وفى الشعور بالاطمئنان القومى تجاه منافسات وتحديات الخارج غير العربى، وفى بناء العواطف الإنسانية الأخوية عند الإنسان العربى تجاه كل الشعوب العربية الأخرى، وعلى الأخص إبان حلول المصائب الطبيعية أو المدبرة من قبل أعداء الخارج.
وبوجود تلك الاتحادات القومية التعاونية يأمل الإنسان فى التقليل من المناكفات العبثية باسم الوطنية المتزمتة، كما حصل أحيانا فى حقل المنافسات الرياضية فيما بين الفرق العربية الوطنية. وهى مناكفات لا تقف عند يوم الخلاف وإنما تستعملها جهات مشبوهة خارجية وداخلية من أجل خلق المزيد من الاحتكاكات والصراعات البينية العربية الصبيانية. ولعل ما حدث من مماحكات تناحرية فيما بين الجمهور المصرى الشقيق والجمهور الجزائرى الشقيق أثناء إحدى مباريات كرة القدم التنافسية منذ فترة قصيرة يبين مخاطر التزمت الوطنى على حساب رحابة وسماحة القومى المشترك.
إن تلاقى أعضاء الاتحادات الوطنية والعمل مع بعضهم البعض تحت الجناح القومى المشترك سيقود إلى بناء صداقات وذكريات وآمال مشتركة، تماما كما فعلت مختلف الجامعات العربية عندما ضمت فى جوانبها مجاميع طلابية من مختلف الأقطار العربية فساهمت فى بناء روح المحبة والأخوة والتفاهم المشترك فيما بينهم. ومع الأسف فإن تلك الظاهرة القومية قد تراجعت بسبب وجود جامعات وطنية فى جميع أقطار الوطن العربى، الأمر الذى أبعد الشباب العربى عن العمل مع بعضهم البعض فى مختلف النشاطات الطلابية والمجتمعية والقومية.
ويستطيع من يريد معرفة أهمية الالتقاءات الأخوية والنشاطات المشتركة فيما بين شباب الأمة أن يتعرف على تجربة المخيمات الصيفية الشبابية العربية التى تجمع الشباب العرب من مختلف أقطار الوطن العربى لبضعة أيام فى كل صيف بصورة دورية، وفى مختلف البلدان العربية. إنها تجربة غنية بالعبر والآمال والمشاعر والتفاهمات العروبية التى تجسد الإمكانيات الهائلة الموجودة فى كل عمل عربى مستقبلى مشترك.
كما أن النجاحات الهائلة التى حققها قيام المجلس العربى للاختصاصات الطبية منذ ما يقترب من نصف قرن، والتى تحتاج إلى مجلدات لسردها وتبيان نتائجها المبهرة، هى مثل آخر على ما تستطيع أن تفعله الإرادة العربية فى حقول التوحيد العربى المشترك.
فى أيامنا الحالكة الحالية المثقلة بالصراعات العبثية فيما بين بعض أنظمة الحكم العربية، يحتاج الشباب العربى، شبابا وشابات، أن يكسر حلقات التباعد والانزواء والانغلاق على الذات الناتجة عن خلق تضادد أحمق غير عقلانى فيما بين الوطنى والقومى.