نبتدى من الأول ــ وبصرف النظر عن لو كنت لسه بتحبها ولّا غضبت عليها خلاص، لو كنت لسه مؤمن ولّا كفرت بيها خلاص ــ نبتدى من الأول: الثورة اللى قامت ولمتنا كلنا؛ ملايين الناس عبر جمهورية مصر العربية يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، ورجعتنا بعد سنة، يوم ٢٥ يناير ٢٠١٢، برضه بالملايين، نؤكد أن إحنا لسه شارينها ــ الثورة دى قامت ليه؟
أول شعار لنا كان «الشعب يريد إسقاط النظام». وبعده على طول الشرح: «عيش! حرية! عدالة اجتماعية!» أردنا إسقاط النظام لأننا رغبنا فى حياة نؤمن لأنفسنا فيها العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وبذلك نتمتع بحقنا فى الـ«كرامة (الـ)إنسانية». لا تقل لى إنك غضبت على العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أو إنك لم تعد ترغب فى أن تحيا بكرامة إنسانية. أنت غضبت، وأحبطت لأن ــ كما يقال ــ «الثورة لم تحقق شيئا»، ولأن ــ كما يقال أيضا ــ الأمور ساءت عما قبل، فهناك «الانفلات الأمنى» وهناك «الاقتصاد الذى على شفا الانهيار» ــ ولأن هذا حاصل بالرغم من الثمن الباهظ الذى دفعناه فى خيرة شبابنا الذى استشهد، وأصيب واتبهدل واتسجن واتكهرب.
ولكن، كيف للثورة أن تلام على ما لم تحقق، أو على الأوضاع المتردية، والثورة نفسها لم تتحقق بعد؟ هدفها الأول ــ «الشعب يريد إسقاط النظام» ــ لم يتحقق بعد. هل يمكن أن يتصور عاقل أن النظام قد سقط ورئيس وزارة (سابق) فيه ينوى الترشح لرئاسة الدولة الجديدة؟ ورئيس المخابرات (السابق) فيه ينوى أيضا الترشح لرئاسة الدولة؟ وشوارع وسط البلد مقسومة بالجدران الخرسانية يختبئ من الشعب وراءها الجهاز المنوط بحماية الشعب وتأمينه، ويرفع، وراء الجدران، صورة جلاد الشعب فيضعها على حائط الشرف فى قلعته؟ هل سقط النظام ومتحدث عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصف امبراطوريتها الاقتصادية بأنها «عرق الجيش» ويهدد بالـ«قتال» من أجلها؟ والمجلس ــ ذلك الذى وعد بحماية الثورة ــ يصدر مرسوما (٢٠١٢/٤) للتصالح مع كبار المفسدين فى البلاد؟ هل سقط النظام وعصام عطا وغيره يقتلون معذبين فى السجون؟ والأطفال تلفق لهم القضايا ويحاكمون عسكريا ويحبسون؟ هل سقط النظام وتيار سياسى واحد يصر على احتكار القرار ورسم مستقبل الأمة؟ هل سقط النظام ومبنى الإذاعة والتليفزيون متشح بالأسلاك الشائكة يجول فيه الجنود ترتاح المدافع على أذرعهم؟ هل سقط والمدافعون عن حقوق الإنسان من البحرين ومن فلسطين يمنعون من المرور من مطار القاهرة بينما يتجه وفد مصرى رسمى إلى الدولة الصهيونية ليتفاوض على تعظيم الكويز؟
النظام لم يسقط بعد. وما نراه الآن من سوء الأوضاع هو فى تقديرى لثلاثة أسباب: أولا لأنها كانت فى طريقها إلى الأسوأ على كل حال، وثانيا لأننا نرى بشاعاتها الآن بوضوح وبالذات ما كان مستترا منها، وثالثا لأن النظام يدافع عن وجوده بضراوة والدفع بمقومات الحياة إلى السوء هو أحد أسلحته.
لم يقم الشعب قومته ضد محمد حسنى السيد مبارك وأبنائه وأعوانهم كراهية لهم فقط، ولا لحزبهم فقط، بل لتمثيلهم نظاما فى الحكم والإدارة أدى إلى تخريب البلاد والذمم ومكافأة أهل الفساد وتجويع الناس وسيادة البلطجة على القانون والحجر على الحريات وتقزيم مصر والمصريين ــ وهذا النظام ما زال فى كرسى الحكم فى مصر.
الثورة لم تسقط النظام، ولم تمسك بالسلطة، لكنها نجحت فى مكان لن يتمكن أى نظام من المساس به: نجحت وانتصرت وغيَّرت فينا نحن: فى نفوسنا، فى استردادنا لفاعليتنا، وفى صورتنا عند نفسنا وعند الغير؛ فى إيماننا بأننا سوف نحقق حلمنا وحلم شهدائنا ومصابينا ومحابيسنا وأصدقائنا بمجتمع الكفاية والعدالة الاجتماعية. وبهذا فقد حققت هدفا أساسيا من أهدافها: الحرية. فالفعل الثورى الآن هو التمسك بالإيمان باستمرارية الثورة وبحتمية انتصارها، والفعل الثورى الآن هو أن نكُون الثورة: أن تأتى أعمالنا وكلماتنا وجهودنا واجتهاداتنا كلها مستلهمة من أهداف الثورة ومبادئها ودافعة لها.
الثورة الآن لا تتجلى فقط فى الميادين والشوارع، بل فى الإضرابات والاعتصامات، فى المعارك القضائية، وفى الساحة السياسية ــ ومنها اليوم الاستعداد لانتخابات الرئاسة. والخطاب الثورى ــ والفعل الثورى أيضا ــ موجود بدرجات متفاوتة عند عدد من المرشحين لكنى أرى أنه موجود باكتمال عند المحامى الشاب خالد علي؛ خطابا وفعلا وتاريخا: ١٥ سنة من الجهاد ضد الظلم والفساد وفى صف العدالة الاجتماعية، ١٥ سنة من العمل ضد التبعية الاقتصادية والسياسية ــ أرجوك، لا تبدأ فى هز رأسك وتأكيد أنه لن يكسب. جائز فعلا أنه لن يكسب، لكن المهم الآن أن تظل لخطابه، الذى يمثل جوهر تطلعات الثورة، مساحة فى النقاشات والمداولات والوعود التى ستطرح أمام الشعب فى الأسابيع القادمة، فهذا الخطاب سوف يغنى ويكمل خطاب الثورة.
منذ أعلن خالد على نيته للترشح تطوع الكثيرون من الذين آمنوا بأهداف الثورة بالمساعدة فى بلورة وصياغة برنامجه، وكان هو منفتحا تماما لكل الآراء وعروض المساعدة. والنتيجة ان البرنامج ــ الذى أوشك على الاكتمال ــ يأتى حاملا خبرات أهل الخبرة، موجهة نحو تحقيق ما قامت من أجله الثورة: الكفاية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وتمثل حملة خالد على أخلاقيات الثورة فعلا فى احتوائها لكل من يريد أن يكون جزءا منها، وفى فقرها المادى وتعويضها لهذا بالهمة والحماسة، وفى التزامها بالقانون والأخلاقيات. وقد قاربت الحملة على جمع التوكيلات المطلوبة وما زال ينقصها بضع مئات، لذا فأنا أدعوك، وأدعوكى، لقراءة برنامجها على النيت (khaledali.net)، ثم للذهاب إلى أقرب مكتب للشهر العقارى، والإصرار على تسجيل توكيل له ــ بالرغم من عرقلات وعقبات الكثير من الموظفين، ثم الاتصال بالحملة لتسليم التوكيل. حتى من ينوى انتخاب مرشح آخر، وحتى من يرى أن المشاركة فى الانتخابات فى ظل حكم العسكر غلط ــ برضه اعمل توكيل لخالد على، ثم أكمل فى طريقك. فقط ساعد فى توسيع مساحة يظل فيها صوت الثورة قويا مسموعا.
خالد على لم يستأذن قيادات داخلية أو خارجية فى أن يترشح، ولم يدَّعِ أن الآلاف وقفوا تحت شباكه يطلبونه، وهو لا يقدم نفسه على أنه البطل الملحمى الذى ظل العالم يخبرنا أننا بحاجة إليه ــ إلى أن قمنا بثورتنا. ثورتنا كانت بلا قائد ــ أو كان قائدها الشعب، وعلينا الآن، فى انتخابات الرئاسة هذه، أن نؤَمِّن مكانا لصوت ــ لن أقول أنه صوت الشعب، لكنه صوت من الشعب، منغرس فيه ومنحاز تماما له. تصفحوا الموقع، وقرروا: فى أيدينا اليوم ولمدة أربعة أيام أن نضمن لهذا الصوت مكانا فى طروحات الرئاسة فى مصرنا.