بقرارها الصادر، أمس الأول، بإلغاء حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، أعادت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة جزيرتى تيران وصنافير إلى صدارة المشهد السياسى فى مصر مرة أخرى، مع مخاوف تنتاب ملايين المصريين على مصير الجزيرتين، ومخاوف من تصدع نظامنا القضائى نفسه بعد التضارب فى أحكام المحكمتين!
طارق نجيدة، عضو هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، أكد فى تصريحات صحفية أن «حكم الأمور المستعجلة صدر من محكمة غير مختصة، ومن قاضٍ جزئى، وأن الحكم لا وزن له ولا قيمة فى مواجهة حكم نهائى وبات، وأنه تجرؤ على حكم أصدرته الإدارية العليا وهى فى قمة الهيئات القضائية»، فى حين حذر السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، من «انهيار دستورى يهدد بصدام بين جميع أطياف المجتمع، أما المحامى خالد على فقال «إن النظام يسعى إلى منح مجلس النواب غطاء قضائيا يستتر به لتبرير بدء مناقشة الاتفاقية، وإن هذا سلوك غير قانونى وغير دستورى ومحاولة بائسة لخلق شرعية زائفة لاتفاق يتضمن تنازلا عن أرض مصرية». فى نفس الوقت تقدم «على» بطعن أمام القضاء الإدارى يطالب بعدم الاعتداد بأحكام الأمور المستعجلة بشأن تيران وصنافير، باعتبارها عقبة مادية تستدعى الحكم بانعدام هذه الأحكام واعتبارها كأنها لم تكن.
المسار القانونى المتوقع أن تتخذه الحكومة بعد حكم الأمور المستعجلة، هو عرض الأمر على المحكمة الدستورية، لكى تحدد أى حكم منهما واجب النفاذ، على أمل أن يصدر حكم لصالحها، تسلم بمقتضاه الجزيرتين للسعودية، ومع ذلك فإن هناك عقبات قانونية عديدة يمكن أن يعرقل هذا المسار، أهمها كما يقول المحامى زياد العليمى إن محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة، وإنها تصدر أحكاما وقتية يزول أثرها بعد الفصل فى النزاع، وبالتالى فإن حكمها أصبح منعدم الأثر بعد حكم الإدارية العليا، وهو ما يجعل عرض الأمر على المحكمة الدستورى غير قانونى.
أما الأمر الخطير الذى أشار إليه العليمى فهو أن موافقة مجلس النواب، على مجرد مناقشة الأمر يفقده شرعيته الدستورية، كما أن موافقة أى نائب على مجرد مناقشة هذا الإجراء الإدارى الباطل، يعرضه للمساءلة بتهمة الخيانة العظمى، وهى من الجرائم التى لا تسقط بالتقادم.
بحسابات الجغرافيا والتاريخ، لا يوجد أدنى شك فى مصرية جزيرتى تيران وصنافير، كل الخرائط والوثائق تؤكد ذلك بكل وضوح، الأطلس التاريخى للعالم يؤكد تبعيتهما لمصر منذ أيام الفراعنة، خريطة نابليون التى رسمها علماء حملته على مصر وقبلها خريطة رسمها جغرافى ألمانى تؤكد ذلك أيضا، اتفاقية 1906 مع الدولة العثمانية أكدت مصرية الجزيريتن، كل الخرائط المصرية بل والسعودية أيضا كانت تضعهما ضمن الحدود المصرية.
ما يثير القلق هو سر إصرار السلطات المصرية على تجاهل كل هذه الوثائق والخرائط المعتبرة، والاستهانة بالأعراف القضائية والدستورية بشكل غير مسبوق طوال تاريخنا كله، هناك ما يشبه اللغز الغامض يحيط بموقف هذه السلطات، هل هناك ضغوط أو مصالح أو ترتيبات دولية كبرى لا نعرفها تدفع هذه السلطات لاتخاذ هذه المواقف غير المفهومة؟ ولماذا لا تصارحنا بخططها ودوافعها الخفية وراء إصرارها على التنازل عن الجزيرتين؟ ولماذا لا تبذل كل هذه الجهود والمساعى لاستعادة أم الرشراش المصرية التى تحتلها إسرائيل منذ عام 1949؟
بدون أن تقدم السلطات المصرية إجابات وافية شافية على هذه الأسئلة، وتقنع بها ملايين المصريين بصحة موقفها فى القضية، فإننا سنكون بالتأكيد على موعد مع صيف سياسى ساخن، لن يكون لأحد فى مصر القدرة على تحمل غليانه وحرائقه!