مَخرج آخر من الوضع العربى الحالى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مَخرج آخر من الوضع العربى الحالى

نشر فى : الأربعاء 3 أبريل 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 أبريل 2024 - 7:15 م

فى مقال الأسبوع الماضى تكلمنا عما نعتقده أحد أهم المخارج من الوضع العربى المريض الحالى وهو شعار الوحدة العربية فى المشروع النهضوى العربى. وأكدنا بأنه دون نوع من الوحدة العربية سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مواجهة الاستعمارين الغربى والصهيونى، والتخلف الاقتصادى والمعرفى والتكنولوجى، أو بناء الأمن القومى والوطنى فى كثير من مجالات المعيشة الحياتية.
اليوم نود الإشارة إلى الشعار الثانى، البالغ الأهمية وإن لم يكن وجوديا مثل شعار الوحدة العربية، الذى يطرحه المشروع النهضوى العربى كأحد المداخل التى أهملت فى الفكر القومى سابقا وآن أوان طرحه بقوة والتمسّك بمساراته: إنه شعار الديمقراطية.
إن الحلقة الجهنمّية التى تبدأ بالاستبداد السياسى الفاسد وتنتهى بخراب الاقتصاد والعمران، وتدور حول نفسها عبر حقب كثيرة من تاريخنا، والحاجة الملحّة لكسر تلك الحلقة فى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية الأخلاقية، تحتّم أن يوضع الشعار الديمقراطى فى قمة الأولويات، وأن يتوقف البعض عن التلاعب بهذه المبرّرات المتوهمة أو تلك لتأجيل الانتقال العربى إلى الديمقراطية الحقّة، غير المظهرية أو المزيّفة أو المفروضة من الخارج مؤقتا.
لا نحتاج إلى التذكير بأن أفدح الأخطاء قد ارتُكبت بسبب اتخاذ قرارات فردية من قبل هذا القائد أو ذاك، وبأن أفضل الفرص للتحرر وللتوحيد العربى فى شتى المجالات قد ضاعت بسبب جهالة أو أنانية هذا الرئيس أو ذاك. وحتى المحاولات العديدة لإجراء إصلاحات داخلية فى هذا القطر أو ذاك تعثرت بسبب غياب المشاركة الشعبية المدنية المستقلة والشفافية والمحاسبة التى تفرضها مبادئ وأنظمة الديمقراطية وتغيب أو تتشوّه عند غيابها.
من الضرورى التأكيد على أننا لا نتكلم عن ديمقراطية مختزلة فى خطوات متواضعة من مثل مجالس شورى أو انتخابات دورية بمثالب كثيرة وإنما نتكلم عن سيرورة تحكمها عناوين الكرامة والحرية الإنسانية، وعدالة توزيع الثروة والسلطة، والاحتكام إلى موازين قانونية أخلاقية.
نحن هنا نتكلم عن ديمقراطية لا كما تطرحها الحضارة الغربية وتحصرها إلى حدود كبيرة فى الجانب السياسى، وتسمح أن تتلاعب بها جهات المال والثروة والإعلام وشتّى جهات الدولة العميقة، وإنما كديمقراطية ثورية تغييرية تحررية، روحها العدالة والإنصاف والأخوة الإنسانية والتراحم، توازن إلى أبعد الحدود بين حقوق ومسئوليات الفرد وحقوق ومسئوليات الجماعة. وهى حتما ترفض الفلسفة السياسية المكيافيلية التى تأثرت بها الديمقراطية التى تنادى بها حضارة الغرب المهيمنة، وترفض التوحش الأنانى الذى تنادى به الرأسمالية النيوليبرالية العولمية.
سيقول البعض إنها طوباوية بعيدة عن الواقع وسنردّ بأنه آن الأوان لهذا العالم أن يتوقف عن الحلول الوسط الانتهازية فى القضايا الإنسانية الحقوقية والأخلاقية الكبرى، وأن يتعلم من جوانب البؤس فى مسيرة التاريخ الإنسانى.
فى الآونة الأخيرة تبيّن أن تركيز الثروة الهائلة فى أياد قليلة وتقلّص حجم الطبقة الوسطى وتركز الفقر فى نسب متزايدة من السكان قد قاد، حتى فى أكثر الديمقراطيات تطورا، إلى ازدياد المثالب والتشوّهات والتراجعات فى الأنظمة الديمقراطية. وفى الغرب الديمقراطى تجرى مراجعة متعاظمة لتاريخ وحاضر ومستقبل ديمقراطيتهم.
عندما ننادى بأهمية الممارسة الديمقراطية فى كل مؤسسات أنظمة الحكم فإننا يجب أن لا ننسى ممارستها فى مؤسسات المجتمع المدنى، وعلى الأخص فى أحزابها ومنظماتها المهنية والأهلية. ولعل غياب الديمقراطية فى تنظيم الحياة الحزبية العربية كان واحدا من أهم الأسباب التى قادت إلى نجاح الهيمنة الدكتاتورية فى الحياة السياسية لأنظمة الحكم العربية.
وأخيرا، يهمنا التركيز على أن الحراك الجماهيرى العربى للانتقال إلى الأنظمة الديموقراطية تلك يجب أن يراعى المنطلقات الأربعة التالية: أولا، الرفض القاطع لأى طرح فئوى سواء أكان طائفيا مذهبيا أم دينيا أم قبليا أم مناطقيا. وثانيا، عدم الالتفات إلى رضا أو غضب الخارج سواء أكان مباركا أم معارضا. وثالثا، التشبّث بالنضال السلمى مهما كانت الاستفزازات التى يواجهها هذا النضال. ورابعا، العمل دوما على أن تكون المطالب وطنية مشتركة حتى ينتهى هذا النضال أو الحراك الجماهيرى ملكا للغالبية السّاحقة من أفراد الشعب.
فى جميع الأحوال فإنه ما لم تكن الحراكات الجماهيرية من أجل الديمقراطية حركة قومية متناسقة ومتعاونة وداعمة لبعضها البعض، فإنها ستواجه انتكاسات هائلة، كما شاهدناها فى حراكات ما أمل أن يكون ربيعا عربيا.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات