تميزت ثورة 25 يناير فى عن غيرها من الثورات التاريخية الكبرى فى عدة أمور جوهرية.. فهى لم تكن كالثورة الفرنسية سنة 1789 التى جاءت تطبيقا لفلسفة عصر التنوير فى بدايات القرن الثامن عشر الذى قدم فلاسفة كبارا، خرجوا بأوروبا من عصورها المظلمة، إلى دنيا العقل والحرية، وقدموا أفكارا سياسية رائدة عن الدولة الحديثة والعقد الاجتماعى والفصل بين السلطات كما فى كتابات فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو وغيرهم، كما اختلفت ثورتنا أيضا فى أنها كانت بيضاء لم تعدم رموز النظام السابق، كما أعدم روبسبير بالمقصلة آلاف من أعدء الثورة، حتى تم إعدامه هو شخصيا بها.
ثورتنا أيضا تختلف عن ثورة ليمين فى روسيا التى قادها باسم الطبقة العاملة ضد تحالف الطبقة الراسمالية مع الاقطاع، ليؤسس أول دولة اشتراكية فى التاريخ، تنبأ أحد أبرز زعمائها وهو تروتسكى بانهيارها عقب تولى ستالين السلطة، لأنه بنى دولة عمالية سيطرت عليها البيروقراطية وشوهتها، وانكمشت على نفسها ولم تتوسع فى أوروبا التى كانت جاهزة آنذاك لثورات شيوعية مماثلة.
وثورتنا كذلك تختلف عن الثورة الإيرانية، التى أشعلها آية الله الخومينى بأفكاره الرائدة عن ولاية الفقيه، والتى كانت تعتبر ثورة فقهية وفكرية عند الشيعة استندت على أن الولى الفقيه ينوب عن الإمام الغائب فى قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض، وهو ما عجل بإسقاط الشاه لتتأسس فى إيران دولة دينية بالمعنى الحقيقى للكلمة، دون انتظار عودة الامام الغائب الذى سيملأ الأرض عدلا.
وأيضا تختلف ثورتنا الحالية عن ثورة 1952، التى انهارت لإهدارها للحريات السياسية رغم سياساتها الإصلاحية، التى انحازت للفقراء وأبناء الطبقة الوسطى.
ثورتنا إذن لا تستند إلى أفكار فلسفية رائدة، ولا تعبر عن طبقة اجتماعية صاعدة، ولا عن اجتهادات دينية، وهى أيضا تفتقد إلى قيادة كاريزمية بحجم عبدالناصر، وهى بالتالى معرضة للاختطاف من أى فصيل سياسى اكثر تنظيما أو أكثر مالا أو أكثر خبرة بالألاعيب الانتخابية واستقطاب مشاعر الجماهير، وربما يكون الحل الوحيد لمنع سرقتها هو إقامة دولة بدستور ديمقراطى بمعنى الكلمة تحرسه المؤسسة العسكرية، بحيث تقف هذه الدولة على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، وتتبنى برنامج إنقاذ وطنى لعشر سنوات تنفذه حكومة من الإخوان واليساريين والليبراليين على أن تنحى خلافاتها الفكرية جانبا، لكى نستعيد بهذه الدولة الجديدة عافيتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية، التى أنهكتها أزمنة طويلة من القمع والفساد والاستبداد.