الصفعة التى تأتى على وجه شخص هى تعبير عن استضعاف الضارب للمضروب، وإلا ما أقدم على فعله الشنيع. وتتعدد صور الاستضعاف ما بين استضعاف النوع (المرأة) واستضعاف الدين (مسيحى) واستضعاف اجتماعى (فقير) واستضعاف سلطة (شخص مقهور)، وإذا تجمعت أوجه الاستضعاف فى شخص يتضاعف مقدار الالم النفسى الذى تسببه الصفعة على وجهه.
فى الأيام الماضية ظهرت حادثتا صفع لرجل وامرأة. الرجل هو موظف أمن، شاب فقير أو رقيق الحال، مثل شأن غالبية الذين يعملون فى هذه المهنة. والمرأة سيدة مسيحية، ذهبت إلى صيدلية لشراء شىء منها، فلم يعجب الصيدلى لبسها أو زينتها، لا أدرى، فصفعها على وجهها. القصتان صارتا ملء السمع والبصر، وتحدث عنها كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعى، وامتدت إلى الفضائيات، ولم يعد هناك الكثير الذى يمكن أن يٌقال بشأنها. وأضيف قصة ثالثة حتى تكتمل اضلاع مثلث القهر، رأيتها بنفسى، صفع فيها سائق توكتوك شابا لطيفا، يبدو عليه مظاهر الأدب والثراء، دون سبب واضح، سوى أنه تعبير عن حقد اجتماعى دفين تجاه هذا الشاب من سائق توكتوك قهرته الظروف، وعبرت اخلاقه السيئة عن تصرفه الفظ. والشىء بالشىء يذكر فإن الشخص الذى يستضعف ضحيته هو جبان فى تكوينه، فقد رأيت يوما فى موقف سيارات ميكروباص سائق يصفع عاملا «غلبان» يرتدى ملابس أهلنا فى الصعيد، ولكنه لم يدرك أن أقاربه وأصحابه على الجانب الآخر من الشارع، فهبوا لنجدة قريبهم، أسرع السائق إلى الاعتذار، ولكن هيهات، فقد نال على ايديهم صفعات يصعب عدها، ولم يجرؤ السائقون الآخرون الدفاع عنه.
المستضعفون فى الأرض، بلغة طه حسين، ليس لهم سوى القانون الذى يفرض المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف فى النوع أو الدين أو اللون أو الوضع الاجتماعى، وإلا صارت المجتمعات ساحة لاستعراض القوة على المواطنين الذين ليس لهم سند فى المجتمع. فى محطة مترو انفاق «بيزى وتر» فى وسط لندن، رأيت هذه الحادثة بنفسى. فقد تقدم شخص، يبدو أنه غير طبيعى أو يدعى ذلك، وحاول التحرش ببائع صحف، فأسرع الشرطى، الذى لا يحمل أى سلاح، إلى ابعاده عنه، فما كان من هذا الشخص إلا أن دفع الشرطى قليلا. لم يفعل أكثر من ذلك. لحظات، وأتت سيارة الشرطة، وقيد رجال الشرطة يديه خلف ظهره، وهو يصرخ طالبا منهم السماح له بالاعتذار للاثنين بائع الصحف والشرطى إلا أنهم رفضوا، والقوا به فى السيارة، ومضوا فى طريقهم.
أتذكر مقولة مكيافيللى الشهيرة أن الانسان لا يفكر فى الاساءة إلى من يحب، ولكنه يفكر ألف مرة فى الاساءة إلى من يخاف. الانسان الذى لا يسىء للآخرين لأن لديه خلقا هو شخص جدير بالاحترام، أما الآخرون الذين ليس لديهم أخلاق فإن الخوف من القانون كفيل بأن يقتص منهم. فلو يعرف الشخص الذى صفع موظف الأمن أن وراءه عزوة ــ بالمنطق التقليدى ــ لم يكن ليفعل ذلك، ولو أدرك الصيدلى الذى صفع السيدة أنها تستطيع الحصول على حقها، لم يكن ليُقدم على فعله المشين، ولو ادرك سائق الميكروباص منذ البداية أن العامل الغلبان له رفاق سوف يأخذون حقه بعنف وغلظة لم يكن ليسىء إليه أصلا.
للأسف الناس تخاف، ولا تختشى كما يُقال، والمطلوب هو سيف القانون الرادع الذى يجعل الناس غير المتساوين اجتماعيا يتساوون أمام القانون لأنهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وبدون تطبيق القانون، يصعب أن نبنى حياة انسانية حقيقية فى المجتمع.