أما وأن الاحتفالات بعيد العمال السنوية قد انتهت واستمع شباب وشابات الأمة العربية من أعضاء النقابات إلى الخطابات الرسمية وهى تبالغ فى التفاخر بما أنجزته من خطوات جزئية متواضعة لصالح الطبقة العمالية، ومن بعدها إلى خطابات بعض القيادات النقابية وهى تعتبر أن حل خلاف عمالى هنا وتحسين ظروف عمالية هناك كان دليلا على حيوية نقاباتها، فإن من الضرورى تذكيرهم بأن الإحن والمحن العمالية تكمن فى أماكن وقضايا أخرى، وعلى مسيرة نضالاتهم أن تواجه الآتى قبل أن ترقص رقصات تلك الانتصارات البسيطة الفرعية.
هناك محو آثار المدرسة النيوليبرالية، التاتشرية الإنجليزية والريغانية الأمريكية على الأخص، التى قادت إلى تقليص الوجود والفاعلية للقوى النقابية فى العالم كله. والمطلوب هو النضال لعودة وهج ونشاط وانتصارات العمل النقابى الحر المستقل والاعتراف بأهميته الكبرى فى كل جوانب الحياة المدنية. وهذه ستكون معركة كبرى.
وهناك العودة إلى التلاحم التعاونى التعاضدى النضالى فيما بين النقابات والحركات السياسية التقدمية الشعبية الأخرى. وهو ما سيقوى الجهتين ويدفعهما نحو تكوين كتلة مجتمعية نضالية ديمقراطية هائلة فاعلة وندية من خلال نضال مشترك يضم ويجيش أيضا الطبقتين: الفقيرة والوسطى. عند ذاك يمكن الحديث عن مجتمع قوى واقف على رجليه وصاحب تأثير فى كل قرارات الدولة.
وهناك الاقتناع التام بالترابط الوثيق الوجودى المحكم فيما بين المطالب العمالية والمطالب المجتمعية الأخرى. فالمطالب العمالية يجب أن تكون جزءا من نظرة فكرية شاملة، أيديولوجية مرنة ومتسامحة ومنفتحة، ترى فى التضخم المالى أو سيطرة أية أقلية على السياسة أو قرارات الدخول فى الحروب أو عدالة العلاقات الدولية أو عدالة توزيع الثروة وغيرها الكثير، تراها كأمور تخصها ولا تنفصل عن شعاراتها. ومن هنا يجب أن تصر على أن تكون لها كلمة ورأى وموقف فى كل ما يخص مكونات المجتمع ومعيشتهم وكرامتهم، وعلى الأخص فى كل ما يؤثر على كرامة وحياة الفقراء والفئات المهمشة.
وهناك التثقيف العمالى والسياسى الدائم لمجموعات الشابات والشباب الجديدة من أجل الانغماس الواعى النشط فى مسيرة النقابة، ومن أجل عدم تركها لتدخل فى ألاعيب الزبونية الفاسدة والاستزلام السياسى الانتهازى من خلال هذا القائد النقابى أو ذاك. والواقع أن النقابات أكثر قدرة من غيرها للعب هذا الدور النضالى السليم.
هذا التثقيف يجب أن يسعى لحماية الطبقة العمالية وأنصارها من الجوانب السلبية الكثيرة فى الثقافة النيوليبرالية العولمية التى تصر مدرسة شيكاغو وأمثالها على نشرها فى العالم، وعلى الأخص الفردية الأنانية المنغلقة على نفسها والمتشبعة بالقيم غير الأخلاقية السليمة، والتى لا تمت بأية صلة للجوانب الروحية والنفسية المتوازنة الناضجة.
وهناك أخيرا الدور الهائل الذى يجب أن تلعبه النقابات، ومرة أخرى على الأخص شبابها وشاباتها، فى حقل الأهوال التى ستأتى بها التطورات التكنولوجية، والتى ستؤثر على كل جوانب حياة العمل والبطالة والهيمنة على حياة الأفراد الشخصية والعامة. وهذا موضوع كبير ولكنه موضوع سيمس الوجود الإنسانى برمته.
ستكون كارثة لو أن النقابات ورفاقها ومن يناصرها فى الدرب لم يدخلوا فى مناقشات هذا الموضوع وفى اتخاذ القرارات الضرورية للسيطرة على جوانبه الشيطانية الكثيرة وعدم ترك أمر الموضوع فى يد مجموعات غنية فاسدة.
عندما تحتفل النقابات بأعيادها العمالية تحتاج أن تقيم سنويا ما جرى بالنسبة لتلك الجوانب الكبرى خلال العام، لا أن تحتفل بهذه المنجزة الصغيرة أو تلك. يا شابات وشباب الأمة طالبوا سنويا بالحصول على إجابات مقنعة بالنسبة لتلك الجوانب، إذ جميعها يمس المستقبل، والمستقبل هو أنتم.
مفكر عربى من البحرين