لا يستقيم أبدا ما يطلبه بعض رجال الأعمال فى مصر من الدولة مع ما يقدمونه خاصة إبان الأزمة الحالية التى أصبحت تؤثر على حياة الناس وجعلتهم فى انتظار حلول سماوية، فعدد غير قليل من مستثمرى القطاع الخاص يكيلون كل الاتهامات تجاه الدولة من مزاحمة شركاتها، وحصول المؤسسات الحكومية على أسعار ومزايا تفضيلية تجعلهم لا يقدرون على المنافسة معها، فحتى لو كان جزء من سرديتهم حقيقيا فهل فعلوا ما يجب عليهم فى وقت المحنة الحالية؟
الدولة التى هى أكبر من أى شخص وأى قطاع ومفهوم شامل للأرض والعرض، قدمت مئات المليارات فى السنوات الأخيرة من خلال مبادرات للمقاولين والمطورين والصناع والعاملين فى السياحة والتصدير وما زال الكثير منها مستمرا، يتنكر لها بعض أبنائها الذين تكسبوا من خيرها وبنوا أرباحهم المليارية من أرضها، فالتاريخ يحفظ أسماء بعض رجال الأعمال المصريين المخلصين ممن فضلوا مصالح الوطن على مصالحهم الخاصة سواء وقت الرخاء وكثير منها فى وقت الشدة.
وبدون مواربة أكد عدد منهم فى الفترة الأخيرة فى تصريحات واضحة أنهم أسسوا شركات خارج مصر يحتفظون بأرباحهم من العملة الصعبة من خلالها، ولا يحولون من تلك المبالغ إلا القليل، فحصيلة التصدير والسياحة توضع فى بنوك خارجية فى وقت أصبح الاقتصاد المصرى فى فترة وهن، وأعلنوا الخروج إلى الاستثمار الخارجى وهو حق مشروع لهم فى حين نقدم كل يوم داخل جدراننا الداخلية كل القرابين للحصول على مستثمر واحد يوفر فرص عمل، ويخلق إنتاجية تعزز من سلامة اقتصادنا. فإن كان الاستثمار والطرب فى الخارج من أدوات القوة الناعمة فإن «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، فما بالك لو كان العزف يستخدم لإضعافك ويسحب من رصيدك.
كثير من شكاوى المستثمرين والناس مقدَّرة، لكن توقيت الصياح والهجوم والفرار من أزمات الوطن غير مبرر، وتأثيره السلبى مضاعف فى وقت الشدة، فإن كان حديث صاحب أحد المنتجعات عن صعوبة الاستثمار وتقلبات سعر الصرف صحيحا لكن مخاطر توقيت النشر يضاعف الأزمة، كما هو الحال بمصارحة مطورى العقارات بأن إحدى الأسواق العربية المجاورة هى الأنسب فى الوقت الحالى لتنفيذ استراتيجية الشركة للتوسع فى الخارج، وأن المستثمر الأجنبى لن يجازف بالاستثمار فى سوق تعانى من غياب الرؤية. وهو ما ينطبق على بيان رابطة السيارات بتوقفهم عن شراء العملة من السوق السوداء فى تأكيد صريح بأنهم أطراف فى خلق الأزمة.
اختلف ما شئت مع القائمين على إدارة بعض الملفات السياسى منها والاقتصادى لكن لا تجعل الناس والمتعاملين مع الشركات يدفعون الضريبة، فكل الشركات العقارية تُدفع الآن فى اتجاه واحد وهو رفع الأسعار على العقود المبرمة والتى لم تسلم وحدتها العقارية «بيع على الورق»، وحصلت تلك الشركات على مقدمات الحجز وتريد الآن أن تُحمَّل الناس فرق العملة وما نتج من تقلبات، ولجأت إحدى شركات التطوير العقارى إلى «محكمة النقض» للطعن على حكم قضائى يتيح لها زيادة سعر المتر لإحدى الوحدات السكنية بمعدل ٤٠٪ ومد مهلة التنفيذ والاستلام، مطالبة أن تكون الزيادة 100% حسب صحيفة الطعن رقم (١٤٥٨٨ لسنة ٩٣ ق) ولو أوقعك حظك السيئ مع تلك الشركات سوف يزيد همك لأنها باختصار سوف تنتصر عليك أما بقبول الأمر الواقع لحفظ استثمار دفعته من شقائك وتعبك حتى وإن كان لم يعد آمنا وإما بهلاك أموالك فى نزاعات ومحاكمات كلنا يعرف دوامتها.
فالمستثمر دائما ما يتحدث عن نفسه فقط ويعاتب الدولة ويلوم المواطن ويحمله كل الخطايا، فقد أخذوا من الدولة ما أرادوا من أراضٍ وتراخيص وأسعار طاقة بسعر مخفض على مدار سنين، وحصلوا على مليارات من مبادرات بفائدة منخفضة العائد ويبحثون عن الدعم، وعندما انخفض معدل ربحيتهم بحثوا عن أسواق أخرى على الرغم من أنهم ما زالوا يربحون من تراب الوطن.
الدستور المصرى ينص على أن هوية الاقتصاد «حر»، لكنه أكد بأنه «حر منضبط» فلا يمكن أن يستخدم النظام الرأسمالى الفج فى وجه المواطن ويتسبب فى زيادة نكبته، فقبل المطالبة بحزم تحفيزية ابحثوا عن أدوات تحفظ سلامة الوطن وأبنائه.