التصعيد الإسرائيلى الغاشم طوال الأسبوعين الماضيين على أهلنا فى غزة خط الدفاع القومى الأول فى مجابهة المشروع الصهيونى للمنطقة، يستلزم منا نحن أبناء المنطقة العربية تفعيل ما نتملكه من محركات اقتصادية يتأثر بها العالم الغربى فاقد إنسانيته وصاحب الوجه المكشوف فى صراعٍ يتأكد اليوم تلو الآخر أنه صراع وجود.
الوجه القبيح المكشوف للغرب المتغنى دائما بحقوق الإنسان والحريات يتجاهل كل صرخات أبناء المنطقة، والرسالة كانت واضحة فى إجابة الرئيس الأمريكى للصحافة التى سألته عما يقولونه للعرب أصحاب الحق والمنطقة فى حشد الجنود والآلات العسكرية قائلا: «ليس لديهم شأن فنحن نفعل ما نريد» ناهيك عن المجازر اليومية والوصول إلى الضرب بالفسفور الأبيض المحرم دوليا، وهو ما ينسف اصلا فكرة طاولة المفاوضات.
السابقون تكلموا عن أدوات طالما كانت ناجعة ومؤثرة فى الحروب مع اسرائيل ومنها المقاطعة الاقتصادية خاصة فى ظل احتياج الغرب المؤيد لهم دون عقل فى الحرب، فالبترول العربى ليس أغلى من الدم العربى مثل ما فعلت بعض الدول العربية فى حرب أكتوبر المجيدة 1973 وادت الي ارتفاعات كبيرة في اسعار البترول.
الغرب فى أشد الحاجة لمواد الطاقة اليوم أكثر من غدٍ تحت ضغوطات الدب الروسى، فالعالم لا يعرف إلا لغة المصالح، فمواد الطاقة من غاز وبترول قوة جبارة لا يستهان بها فى ظل مخاوف أوروبية وغربية من تراجع معدلات النمو طوال الأعوام التالية للوباء المصنع «كورونا».
مجرد التلويح بتلك الورقة ومعها المعابر الدولية فى المنطقة قادرة على إحداث تأثير فى الغرب المتكلم بلغة المصالح والمال، كما أن تجميد الاستثمارات فى الغرب وسحب جزء من الأرصدة فى البنوك وأسواق المال قادر على هز تلك الاقتصاديات التى أصبح المال العربى ركيزتها.
توطين المال العربى فى المنطقة وسحب الأرصدة من الخارج واستخدام حصة المنطقة فى المؤسسات الدولية المنظمة لأسواق الطاقة قد يغير المعادلة، وما حدث فى الغرب بعد الحرب الروسية الأوكرانية خير شاهد على أهمية تلك الورقة .
دول عربية وإسلامية تمتلك سلاح الطاقة تقدر على تصحيح الوضع على أرض فلسطين خاصة وأنها تمتلك فوائض مالية حتما ستزيد بعد استقرار الوضع، فقد ارتفع سعر برميل البترول إلى 12 دولارا مقابل 3 دولارات إبان حرب أكتوبر 73 فلن نخترع جديدًا.
إسرائيل ليست منتجا رئيسيا للنفط، لكن ما يقرب من 30% من إنتاج النفط فى العالم يحدث فى بلدان مجاورة ومن ثم لا يجب أن نستهين بتلك الورقة وتأثيرها على النمو الإجمالى العالمى؛ حيث إن زيادة أسعار النفط 10% قد تؤدى لزيادة التضخم العالمى 0.4%.
الغرب ومعهم الاسرائيليون يعشقون المال حتى النخاع ويخوضون الحروب من أجله وصيحات كبار المسئولين هناك على وتيرة ما حدث أصدق مثال على خوفهم من استمرار الحرب وتأثيرها على الاقتصاد. وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، قالت إن الأوضاع الأمنية الحالية القائمة فى إسرائيل، تربك نمو الاقتصاد الأمريكى للعام الجارى، وتثير مزيدا من المخاوف بشأنه.
رئيس البنك الدولى أجاى بانغا، صرح أن الصراع بين إسرائيل وغزة شكَّل صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم فى اقتصادات عديدة إذا انتشر، وصندوق النقد الدولى يقول إن وتيرة التعافى الاقتصادى العالمى تتباطأ، وأن القتال المستمر قد يزرع بذور الاضطراب فى مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذى يعكس مدى التحدى الذى أصبح يواجه الاقتصادات من الصدمات العالمية المتكررة وغير المتوقعة على نحو متزايد، فكيف نتجاهل أهمية الورقة الاقتصادية وهل لها أهمية أكثر من الآن.
الخريطة السياسية تتغير وقد جاء الرئيس الأمريكى الحالى إلى السعودية بعد خلاف ظننا أنه يستمر طوال فترة حكمه ولكن ما تمتلكه المملكة العربية من أدوات اقتصادية جعلته يتناسى كل ما قاله بحثا عن مصالح اقتصادية، وهو ما يجعلنا نؤكد أن شرفاء المنطقة يستطيعون أن يحقنوا دماء المسلمين ولا يفرطوا فى الأرض لو تم استغلال ما تملكه من أدوات اقتصادية لها مفعول السحر على المواطن الغربى.
كل يوم إسرائيل تخسر خسائر اقتصادية مباشرة وفقدت البورصة فى الأسبوع الأول 6% والبنك المركزى اضطر لتدعيم العملة بنحو 45 مليار دولار بعد تهاوى الشيكل لدرجة هى الأكبر من سنوات، وإلغاء رحلات السفر والطيران وغلق حقل بترول وتعليق الصادرات النفطية واستدعاء جنود احتياط يعملون فى التعليم والصناعة والتكنولوجيا له تأثير اقتصادى مباشر، أشياء لا يجب الاستهانة بها ويبنى عليها فى صراع قد يطول. وقد كان تحرك الغرب اتجاه روسيا فى حربها الأخيرة تحت شعارات مخاوف الإفلاس والتضخم والتعثر وتراجع النمو وفقد الوظائف.
الصراع واضح وجلى «على الأمة العربية والإسلامية أن تستثمر ما حباها الله به من قوة وأموال وثروات وما تملكه من عُدةٍ وعتادٍ، وأن تقف به خلف فلسطين وشعبها المظلوم الذى يواجه عدوًّا فقد الضَّمير والشعور والإحساس، وأدار ظهرَه للإنسانيَّة والأخلاق وكل تعاليم الرسل والأنبياء» الخلاصة من الأزهر الشريف.