فى مركز الصورة ولد فى لحظة الوقوع: جسمه فى الصورة فى تكوين رياضى، زى ما يكون بيقع فى ماتش كورة مثلا، قدمه اليمين فقط هى اللى لامسة الأرض، بقية جسمه لسه طاير، رجله اليمين متنية تحته ورجله الشمال مفرودة على الآخر، كأنه كان بيجرى وشاط الكورة جامد وبعدين وقع. لابس ترينرز (كوتشى يعنى) وجينز بينتهى تحت الركبة وتيشيرت إسود. نصفه الأعلى ما زال قائما فى وضع عمودى، بس دراعه اليمين بدل ما يكون تلقائيا نازل عشان يسند على الأرض ويمكنه ينط يقوم من الوقعة - دراعه مرفوع بيحاول يحمى راسه.
يحمى راسه من إيه؟
يحميها من شومة نراها تنزل عليها بكل عزم الذراعين الممدودتين للرجل الذى على يمين الصورة. الرجل يرتدى بنطلون إسود وقميص أحمر ويمسك بالشومة بيديه الاثنتين، ترى عضلات ذراعيه المشدودة وهى تهوى بالشومة على رأس الولد.
على يسار الصورة رجل ثانى، يده اليسرى تمسك بالولد من قفاه، أما اليمنى ففيها الطبنجة مشرعة. هو أيضا باللبس المدنى: جينز وقميص أسود بنص كم وكثير من الزراير البيضاء.
رجل ثالث يأتى جريا من اليسار، يلبس بدلة بقميص أبيض، هو مشدود يقطب فى الشمس فيبدو وكأنه يكشر عن أنياب. رجل رابع - بقميص أحمر برضه- يرفع يده وكأنه ينادى على شخص -ربما على بوكس الشرطة ليقترب؟ وفى مركز الصورة، وراء الولد، الرجل الوحيد الذى يرتدى الزى الرسمى الأبيض للشرطة، جهاز اللاسلكى معلق فى خصره، يقبض بيسراه على ذراع الولد اليسرى -التى تحاول أيضا حماية رأسه- ويرفع يده اليمنى استعدادا للضرب.
خمسة رجال يقتنصون ولدا
هذا مشهد من تعامل الدولة مع شبابها. وقفة احتجاجية لطلبة الثانوية، يقفون أمام وزارة التربية والتعليم حاملين لافتات مكتوب عليها «منظومة فاشلة»، وهو وصف لا يختلف عليه اثنان، يطالبون مجملا بـ«إلغاء تنسيق الثانوية العامة، وعمل امتحانات قدرات بآلية تنفيذ محددة، ومحاسبة كل من تسبب فى إفشال امتحانات الثانوية العامة، وتطوير المناهج الدراسية، وإعادة هيكلة المدارس الحكومية، والاهتمام بالبحث العلمى، والاهتمام بالطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة، والاهتمام بالطلاب الموهوبين وتنمية قدراتهم»، فتفضهم الدولة بالغاز، وبالضرب، وبالبلطجية -أو ربما برجال شرطة بقمصان حمرا وشوم- ثم يتبلى عليهم الناطق باسم الوزارة فيقول إن الطلبة «كان معاهم خرطوش».
أما بقى الولد اللى كان طاير وبيقع والشومة نازلة على راسه فاسمه يوسف. عنده ١٥ سنة. قبضوا عليه، وخدوه عندهم، ونشر الشباب صورة تانية له بعد ما سابته الحكومة. الصورة دى لضهره فقط. التيشيرت الإسود مرفوع عشان نشوف العلامات على ضهره: علامة حمراء غليظة بعرض أعلى الضهر بالورب، ٤ علامات قطع فى الجنب اليمين، ٦ كدمات بنفسجية كبيرة أسفل الضهر، وعلامات كتير صغيرة ومتوسطة منتشرة على الضهر كله. ده ناتج الكام ساعة اللى قضاهم يوسف مع شرطة الدولة -اللى هى، والحق يقال، ناقضت كلام وزارة التربية ولم تثبت فى الأحراز أى خرطوش وأثبتت فقط (حسب حملة «الحرية للجدعان») علم 6 أبريل مكتوب عليه «ثورة الطلاب ضد فساد وزارة التربية والتعليم»، وسنارة لحمل العلم.
هذا عن يوسف. هناك أيضا الطالبة السيدة ن.ا. التى نشرت «بوابة يناير» حديثا أجرته معها حكت فيه عن بلاغ قدمته فى ضابط اغتصبها فى مدرعة. هذه السيدة الشجاعة تعلن «أنا مش خايفة ومش مكسوفة ومش مكسورة، أنا معملتش حاجة أخاف منها أو أستخبى، ومش هسمح لحد يحاول يركبنى العار أو الغلط». ربنا يلهمها هى وأهلها شجاعة على شجاعة ويكثر من أمثالهم.
فى نفس الوقت نجد منظومة العدالة فى دولتنا خطت خطوة جديدة فى سكة لا نعلم بعد إن كانت سكة الندامة أم سكة اللى يروح ما يرجعش، فمن قاض يترك المحكمة بدون إعلان قراره ويترك للمحامين والمتهمين والأهالى أن يستلقطوا الأخبار من حيث يستطيعون، ويتضح أنه أخذ قرار تأجيل مع استمرار حبس يترتب عليه أن يستمر حبس عدد من الشباب نحو ثلاثة أشهر على ذمة «جنحة» التظاهر، إلى قاض يعلن، غيابيا، حكما موحدا على مجموعة متفاوتة من المحاكمين، إلى نظام يوصلنا إلى محاكمة عدد من الشباب اليوم على خلفية أحداث شارع مجلس الوزراء فى ٢٠١١، بينما نسمع بتنامى ثروات رجال نظام مبارك أثناء وجودهم فى السجون وتحت التحقيق.
كتير، فعلا كتير. وفى الغالب مافيش فايدة فى القول، بس نقولها برضه: النظام -بداخليته، وبلطجيته، ومتحدثيه، ومخبريه، وقضاته- لن يهزم الشباب. فالشباب كتير والشباب متجدد، وممارسات النظام تزيد الشباب المسيس إصرارا، وتسيس من لم يكن مسيسا، والشباب عندهم أفكار جديدة وعندهم طاقة وعندهم وقت، لأنهم شباب.
فى محاكمة شباب مسيرة الاتحادية يوم الأحد اختارت البنات أن تدخل إلى القفص وهى تغنى: «قلناها زمان للمستبد / الحرية جاية لا بد / قالوا الشغب فى دمنا / وإزاى بنطلب حقنا؟ / يا نظام غبى إفهم بقى مطلبى / حرية.. حرية.. حرية».
الحرية حق، والاحتجاج حق، والرأى حق. قانون التظاهر غير دستورى. ولأنه قانون سيئ لا قوام له، فالنظام يتخذ منه ساترا فى نفس الوقت الذى ينتهكه فيه. وحين نصل إلى نقطة -وقد وصلنا- إن الداخلية تضرب تلامذة المدارس بالشوم علشان بيطالبوا بإصلاح التعليم، أو إن عندنا محامين، ومعلمين، وصحفيين، ومصورين، وحقوقيين، وطلبة، ورجال أعمال، وناس لها تاريخ معروف ومشرف -وناس ليس لها علاقة بأى شىء واتاخدوا فى الرجلين أو كمالة عدد- محبوسين، على خلفية هذا القانون فهذا القانون يجب أن يسقط. وقد أصدر مجموعة من الأدباء بيانا يرفض قانون التظاهر، ويدعو للإفراج فورا عن المعتقلين بمقتضاه، لم يكن لى شرف المشاركة فى الصياغة، فقط وقعته، وأنشره هنا لاطلاعكم الكريم، مع رابط التوقيع: http://tinyurl.com/qdtjjv9
بيان: من أجل مصر / من أجل الحرية
إيمانا بثورة «٢٥ يناير-٣٠ يونيو» وامتداداتها المتعاقبة، والتزاما بحراكها، وبما منحته من حقوق اكتسبها شعبنا المعلم بعد تضحيات أبنائه من مختلف فئاته وطبقاته وطوائفه، ومنها حق التظاهر السلمى المطلق بمجرد الإخطار، يعلن المثقفون والأكاديميون والمبدعون الموقعون أدناه رفضهم لقانون التظاهر، وأن الآثار السيئة للقانون الحالى تجاوزت أية فائدة منتظرة منه، وأن القانون على هذا النحو يسبب عنفا مجتمعيا أشد مما لو كان غائبا، فضلا عما يثيره من خصومات واحترابات لا ضرورة لها فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، بين أجهزة الدولة وعدد مؤثر من طوائف الشعب، وفئاته.
ويرى الموقعون على هذا البيان أن قانون التظاهر جاء مجاوزا لرغبة تنظيم هذا الحق إلى الولاية على الحق نفسه، وتقييده، بما يصل إلى حد إلغائه عمليا. كما يؤكدون أن قانون التظاهر جاء مخالفا للمواثيق والعهود الدولية التى التزمت بها مصر أمام المجتمع الدولى، وذلك وفق المادة رقم (٩٣) من الدستور التى تلزم الدولة «بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان»، فضلا عن كونه جاء مخالفا للمادة رقم (٧٣) من الدستور ذاته التى تنص صراحة على الحق المطلق لأى مواطن مصرى فى التظاهر بمجرد الإخطار. بل إن قانون التظاهر يقوم على مخالفة ثالثة للمادة رقم (٢٢٤) من الدستور التى تلزم الدولة «بإصدار القوانين المنفذة لأحكام الدستور»، ومنها القوانين اللازمة للمحافظة على جميع حقوق المصريين المتعلقة بحرياتهم فى الفكر والرأى والنشر والإبداع.
ويناشد مثقفو مصر النقابات المصرية كافة، والوسط الحقوقى المصرى، ونقابات الفكر بخاصة، من أجل دعمهم فى بيانهم هذا، لإلغاء هذا القانون الذى جاء مهدرا لحقوق اكتسبها المصريون بدمائهم، حقوق ينص عليها الدستور، ولن يتنازلوا عنها مهما كانت التضحيات. ويطالب المثقفون الموقعون على هذا البيان بالإفراج الفورى عن جميع المعتقلين أو المسجونين بسبب هذا القانون.
الرابط: http://tinyurl.com/qdtjjv9
وقعوا عليه، بحق يوسف الذى وقع تحت شوم الأمن، ثم وقف حاملا آثاره، ويكمل الآن الطريق، وقعوا على بيان رفض قانون التظاهر.