طريق العميان - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طريق العميان

نشر فى : الإثنين 3 يوليه 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 3 يوليه 2017 - 10:30 م
على الورق، تبدو الأوضاع الاقتصادية فى مصر تتجه نحو التحسن، فطبقا لبيان رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل الذى ألقاه امام مجلس النواب منذ شهرين، سيرتفع معدل النمو ما بين 5% و6% خلال موازنة العام الجديد، وسينخفض كل من العجز والدين العام إلى 10%، و94% على التوالى، فى نفس الوقت الذى قال فيه البنك المركزى إن الجهاز المصرفى استقبل 54 مليار دولار خلال السبعة أشهر الأخيرة أى منذ تحرير سعر الصرف، وهى مؤشرات كان ينبغى ان يكون لها انعكاساتها الإيجابية على حياة ملايين المصريين، وترفع من مستوى معيشتهم، وتقلل نسب الفقر والبطالة، وتقلل من معدلات التضخم التى تجاوزت نسبة 30% أخيرا، وتخفض أسعار السلع الضرورية وحتى الترفيه فى الأسواق.

ومع ذلك، فإن كل هذه الأرقام الاقتصادية الإيجابية، لم يكن لها أى صدى فى حياة المصريين، بل إن تقريرا للبنك الدولى يؤكد أن معدل النمو لن يتعدى 2.1 %، فى حين تقول أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن معدل الفقر زاد إلى أكثر من 28% من المصريين، وإلى 40% طبقا لدراسات اقتصادية أخرى، ويقدره اقتصاديون آخرون بنسبة 70% بعد القرارات الحكومية الأخيرة برفع أسعار الطاقة، وديوننا الخارجية ستصل إلى ما يقارب 100 مليار دولار مع انشاء مفاعل الضبعة، لا نعرف كيف ومتى سنسددها، مع عجزنا عن إنتاج سلع منافسة يمكن تصديرها للأسواق العالمية، وعدم إقبال المستثمرين الجانب عن ضخ ملياراتهم فى وقت نشهد فيه حالة من الاستقطاب السياسى الحاد فى مصر.

صحيح أن الحكومة تعترف بأن سياسة «الإصلاح الإقتصادى» التى تتبعها طبقا لروشتة صندوق النقد الدولى، لها آثار جانبية، ستستمر لبعض الوقت ــ قدرها بعض وزرائها بثلاث سنوات ــ سيعانى خلالها المصريون من ارتفاع فى الأسعار، ومن تآكل القوة الشرائية لمرتباتهم، إلا أنها لم توضح لنا بأى كلام محدد ما الذى سوف ينتظرنا بعد هذه السنوات الثلاث؟ هل ستنخفض الأسعار؟ هل سترتفع الأجور والمرتبات؟ هل ستصبح حياتنا اقل بؤسا؟ أم أننا فى نهاية المطاف سنكون فى وضع أسوأ؟!

لا أحد فى مصر يعرف أى إجابة واضحة على هذه الأسئلة، نحن نسير كالعميان فى طريق محفوف بالأخطار، فروشتة الصندوق التى نتبعها بحذافيرها، أسفرت عن كوارث اقتصادية محققة فى الكثير من البلدان التى طبقتها قبلنا، وحتى مشاريعنا القومية الكبرى التى كنا نراهن عليها لإصلاح أوضاعنا الاقتصادية لم تؤت بثمارها بعد أن أنفقنا عليها مليارات الدولارات، فإيرادات قناة السويس تراجعت العام الماضى، ونقص المياه يهدد بفشل وعود الرئيس بزراعة 4.5 مليون فدان، ومزارع الأسماك لم تخفض الأسعار فى الأسواق، بل إنها زادت بما يقارب من ضعف ثمنها، وحتى مشاريع الكهرباء التى كان من المفترض أن تصدر للخارج وتثبت أسعار استهلاكها فى الداخل، سوف يتضاعف سعر بيعها مع فاتورة الشهر المقبل.

غياب السياسة والمشاركة الشعبية فى تحديد خطوات مساراتنا الاقتصادية، ستجعلنا دائما على موعد مع المجهول، لا أحد عاقلا يتحمل أعباء تكاد تقربه من حافة الموت جوعا، وهو لا يدرى ما هى النتيجة التى ينتظرها؟ وإلى متى سيستمر على هذه الحال؟ بل ولماذا يتحمل هذه الأعباء أصلا؟

جنوح السلطة فى مصر نحو سياسات اقتصادية نيوليبرالية، والاعتماد على تصورات تضع السوق كمحرك أول وأخير للاقتصاد، ويلغى أى دور للدولة فيه، يتناقض على طول الخط مع سعيها الحثيث لإغلاق المجال العام، ومصادرة حق الإضراب والتظاهر الذى يكفله الدستور، بل وتأميم العمل الساسى برمته، وهو وضع يبدو أن السلطة فى مصر لا تعى خطورته عليها قبل خطورته على شعبها!

 

محمد عصمت كاتب صحفي