كيف يعيد سلاح «إس 400» صياغة العلاقات الدولية؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف يعيد سلاح «إس 400» صياغة العلاقات الدولية؟

نشر فى : الأربعاء 3 يوليه 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 يوليه 2019 - 10:15 م

نشر موقع القدس العربى مقالا للكاتب «حسين مجدوبى» نعرض منه ما يلى:

سيطر موضوع المنظومة الصاروخية الروسية للدفاع إس 400 على قمة العشرين فى اليابان، التى جرت منذ أيام. واعترف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بصعوبة هذا الملف فى العلاقات الدولية، خاصة العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن. وعمليا، يحمل هذا الموضوع انعكاسات كبرى مستقبلا، بما فيها احتمال مغادرة تركيا منظمة شمال الحلف الأطلسى.

ومنذ سنتين، عندما أعلنت تركيا عن رغبتها فى شراء إس 400، اعتبر معظم المراقبين الخبر بمثابة هراء، أو كذبة إبريل، لكن الأمر أخذ بعدا واقعيا عندما تقدم الرئيس طيب رجب أردوغان بطلب رسمى إلى موسكو، وكانت المفاجأة الكبرى هو رد الزعيم الروسى فلاديمير بوتين بالإيجاب على الطلب التركى. ومع يوليو 2019، ستتوصل تركيا بهذه المنظومة التى ستصبح جاهزة فى ظرف شهور محدودة.

وطيلة السنتين الماضيتين، رافق صفقة إس 400 جدل سياسى ودبلوماسى قوى، حيث مارست واشنطن سياسة الترغيب والترهيب على تركيا بسبب خطر إس 400 على السلاح الغربى، ومنها طائرة إف 35. فقد عرضت على الرئيس أردوغان منظومة باتريوت الأمريكية، وهى المنظومة التى كانت تتماطل فى بيعها. ورفضت تركيا الباتريوت بسبب سعرها المرتفع جدا مقارنة بالسعر المناسب لصواريخ إس 400. بالإضافة إلى محدودية فعالية منظومة الباتريوت، بعدما أظهرت حرب اليمن صعوبة اعتراضها الصواريخ الباليستية التى يطلقها الحوثيون على الأراضى السعودية بين الحين والآخر. وأمام الرفض التركى، لاسيما بسبب دعم المؤسسة العسكرية التركية لموقف أردوغان، أقدمت واشنطن على منع أنقرة من اقتناء المقاتلة إف 35 رغم مشاركة تركيا فى الأبحاث، وجزء من التمويل، بل وتصنيع بعض الأجزاء. ولا يمكن فصل الرسوم الجمركية المرتفعة التى أعلنها ترامب فى الماضى على منتوجات تركية وضرب الليرة التركية بمعزل عن هذه الضغوطات.

وتحمل صفقة إس 400 التركية ــ الروسية علاوة على إس 400 فى حد ذاتها، تطورات جيوسياسية كبيرة للغاية فى العلاقات الدولية، خاصة فى الشق المتعلق بالأسلحة. فى هذا الصدد، يعنى اقتناء تركيا إس 400 من روسيا وهى العضو فى منظمة شمال الحلف الأطلسى خطوة نحو ما يتكهن به بعض المحللين ومراكز التفكير الاستراتيجى، وهو بداية الطلاق بين الغرب وتركيا. فقد أدركت تركيا أنها لن تحرز وضعا دوليا مرموقا فى العلاقات الدولية، طالما بقيت تابعة بشكل مهين للغرب. ورغم أهميتها فى الحلف الأطلسى، ترفض الولايات المتحدة بيعها أسلحة متطورة وتفويت التكنولوجيا العسكرية لها. بينما قبلت موسكو بتفويت التكنولوجيا العسكرية بما فيها إس 400 مستقبلا، منذ أول صفقة بين البلدين. وتفويت التكنولوجيا أصبح من الشروط التى رغب بعض الدول فى فرضها حتى تشارك فى صنع هذه الأسلحة وقطع الغيار مستقبلا.

أكثرية الدول تتبنى عقيدة الدفاع لا الهجوم، وتفضل تحصين نفسها بمنظومات دفاع متطورة بدل منظومات هجوم متطورة.

فى الوقت ذاته، لا يرغب الاتحاد الأوروبى فى ضم تركيا إلى صفوفه، رغم أن هذا الحل يراودها منذ أربعين سنة، وتجاهل الاتحاد هذا البلد العضو فى الحلف الأطلسى، بينما قَبل دولا كانت فى حلف وارسو وعدوة خلال الأمس القريب، قبل سقوط جدار برلين. وهذا ما يدفع بتركيا إلى تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، لجعلهما الشريك الاقتصادى الأول. ويوجد قلق وسط الأوروبيين أكثر بكثير من الأمريكيين، فقد قررت واشنطن أن الثقل السياسى والاقتصادى بدأ ينتقل إلى المحيط الهادى. وعليه، تغيير تركيا لسياستها الخارجية بالميل لروسيا قد لا يؤثر على الولايات المتحدة كثيرا. وإلى جانب الملف التركى، تمارس الولايات المتحدة ضغوطات كبيرة على مختلف الدول التى أعلنت نيتها شراء منظومة الصواريخ الروسية إس 400، بما فيها دولة عملاقة مثل الهند، التى اعتادت اقتناء السلاح الروسى. وترغب نيودلهى فى توقيع الصفقة مع موسكو وتأديتها باليورو لتفادى العقوبات الأمريكية. وتهدف الولايات المتحدة من قرارات مثل هذه إلى الحيلولة دون انتشار إس 400 فى العالم. وفى حالة الانتشار، يعنى وفق المحللين العسكريين تحجيم دور الولايات المتحدة عسكريا، إذ سيكون من الصعب مهاجمة واشنطن، أى دولة مستقبلا إذا كانت تمتلك هذه المنظومة الدفاعية الصاروخية. ومن ضمن الأمثلة البارزة، تفادى البنتاغون مهاجمة فنزويلا بسبب امتلاك هذا البلد لمنظومة إس 300 وليس فقط إس 400. وهذا السيناريو يتكرر مع إيران، التى أسقطت طائرة أمريكية مسيرة متخصصة فى الاستطلاع والتجسس غلوبال هاوك، وتتردد واشنطن فى الرد، علما أن إيران استعملت منظومة محلية مستوحاة من السلاح الروسى.

وفى نقطة أخرى تتعلق بالجانب العسكرى، انتشار إس 400 يعنى ضربة قوية للصناعة العسكرية الأمريكية، سيحمل تراجع مبيعات المقاتلات الأمريكية خاصة طائرات إف 15 وإف 16 التى يرغب البنتاغون التخلص منها، وهذا سيمتد إلى مقاتلات أخرى مستقبلا. فالكثير من الدول يتبنى عقيدة الدفاع وليس الهجوم، وهنا ستفضل التركيز على تحصين نفسها بمنظومات دفاع متطورة بدل منظومات هجوم متطورة. لم يسبق فى تاريخ الأسلحة التقليدية أن أثار سلاح جدلا دوليا وانقساما مثلما يحصل الآن مع منظومة الصواريخ الدفاعية إس 400، وذلك لتأثيراته السياسية والعسكرية، والخاسر الأكبر هو الولايات المتحدة والفائز هو روسيا. فهل سترد واشنطن باستراتيجية جديدة فى مبيعات الأسلحة للحفاظ على الحلفاء؟

التعليقات