برّى يفاوض باسم لبنان.. الثنائى الشيعى يستجيب لضغط «الشيطان الأكبر» - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برّى يفاوض باسم لبنان.. الثنائى الشيعى يستجيب لضغط «الشيطان الأكبر»

نشر فى : السبت 3 أكتوبر 2020 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 3 أكتوبر 2020 - 8:05 م

نشر موقع درج مقالا للكاتب ربيع فخرى الباحث فى علم الاجتماع، تناول فيه مخالفة نبيه برى للدستور بإدارته لاتفاق ترسيم الحدود بدلا من قيام رئيس الحكومة بذلك، كما يوضح الكاتب ما هو هدف أمريكا من رعاية الاتفاق، وأخيرا أهمية الاتفاق للطرف اللبنانى والإسرائيلى.. جاء فيه ما يلى.

«تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية بذل قصار جهودها مع الطرفين المعنيين (أى لبنان وإسرائيل) للمساعدة على تأسيس جو إيجابى وبنّاء مع الطرفين والمحافظة عليه من أجل إدارة المفاوضات المذكورة أعلاه واختتامها بأسرع وقت ممكن»؛ هكذا عرّف نبيه برّى، رئيس أفواج المقاومة اللبنانية ــ أمل ورئيس المجلس النيابى لجمهورية الطائف، الدور المنوط بالولايات المتحدة بحسب اتفاق الإطار الذى أعلن عنه فى بيروت. وذكّر برّى أنه وضع يده على ملف ترسيم الحدود منذ أن جرى التأكد قبل حوالى العقد من الزمن من وجود نفط وغاز بكميات تجارية فى المناطق الحدودية مع إسرائيل وذلك من باب حرصه على مصالح البلاد حتى آخر نقطة ماء.
فى الشكل، اختزل برّى، المفوّض من قبل أمين عام حزب الله والذى يتمتع بكامل ثقته ويشاركه احتكار حصة الشيعة فى جمهورية الطائف، السلطات اللبنانية مجتمعة جامعا ما بين سلطة التشريع والتنفيذ والقوة الشعبية وتاركا للجيش والحكومة ورئاسة الجمهورية مسألة التنفيذ والمتابعة التقنية متمنيا لهم النجاح لما فى ذلك من فرصة لتحقيق مصالح استراتيجية للبلاد تمكّنها من سد دينها العام المتورّم.
يطرح، تزّعم برّى للمشهد التفاوضى، بمراحله التأسيسية، ووضع الإطار الناظم له، دستورية المسألة بأساسها فى ظل تعارضها مع المادة 52 من الدستور والتى تحصر مهمة «عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء». وهذا ما يأتى فى لحظة حرجة من تاريخ لبنان، وتحديدا بعد كلام أمين عام حزب الله الأخير عن أن العثرة الأساس التى واجهت تشكيل حكومة أديب تكمن فى محاولة القضاء على آخر الصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية بحسب دستور الطائف. لكن لربما قد جرى حل مسألة التناقض بالصلاحيات بين برّى وعون من ضمن التفاهمات الثنائية بين الحزب وتيار رئيس الجمهورية.
***
فى المضمون، حمل المؤتمر الصحفى لبرّى كل المؤشرات لأن ما يحصل يمهد الأرضية للوصول لتفاهم بين دولتين «جارتين» ويضمن حلا سلميا لنزاع حدودى بينهما لما فيه مصلحة الطرفين. فعلى سبيل المثال، وطوال العشرين دقيقة من البث المباشر، خلا حديث برّى من ذكر كلمات كـ«الكيان» أو «سلطة الاحتلال» على ما دأبت أدبيات خطاب المقاومة، اللهم فى ماعدا الكلمة اليتيمة التى ذكرت التمهيد الذى شدد برّى على كونه من خارج موضوع المؤتمر.
أما فلسطين فلم تكن على الخريطة بالأمس. رُكِنت على جانب الحدث بكل بساطة. فى السياق عينه، يأتى الاتفاق مناقضا لتصريحات «كتلة الوفاء للمقاومة»، والتى اعتبرت فى أكثر من مناسبة أن الوساطة الأمريكية «غير نزيهة» وأنها لن تكون لصالح لبنان؛ حتى إن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، فى خطاب له فى فبراير 2018، وصف الولايات المتحدة بأنها «محامى إسرائيل» محددا حزبه كالقوة الأساس للدفاع عن مصالح لبنان وضمانها وواضعا قدراته الدفاعية والهجومية فى خدمة مجلس الدفاع الأعلى اللبنانى. ليعود فى مقابلة لاحقة، فى يوليو 2019، للتأكيد على أن «الإسرائيلى مردوع ولبنان قوي» متعهدا بجلب شركة للتنقيب عن النفط ومتحديا الطرف الإسرائيلى بالتعرّض لأعمالها وواصفا محاولة ترسيم الحدود البرية بالخدعة.
يأتى الاتفاق، الذى تحدثت عنه مصادر إسرائيلية وأمريكية وذُكر لبنانيا للمرة الأولى فى بيان حركة أمل المستنكر للعقوبات على الوزير على حسن خليل بعد الدور الإيجابى فى ملف ترسيم الحدود، من ضمن السياق العام للاتفاقيات التى تعقدها الإدارة الأمريكية إقليميا لتحسين التموضع الانتخابى للرئيس ترامب من جهة، ولفرض أمر واقع فى الشرق الأوسط يكبل أى إدارة أمريكية جديدة قد يحملها فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن. وهذا ما ظهر جليا فى بيان الخارجية الأمريكية التى أكدت على الأهمية التاريخية للمسار التفاوضى الثلاثى، حيث طلبت الدولتان منها أن تلعب دور الوسيط والميّسر لمسار التفاوض على الحدود البحرية. وتمنت أن ينعكس ذلك بمزيد من الاستقرار والأمن والازدهار لما فيه مصلحة للبلدين والمواطنين اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء.
اللافت أن قيادة حزب الله وافقت عمليا على خطوة دبلوماسية تخدم نفس الأهداف التكتيكية التى حققتها إدارة ترامب عبر اتفاقات أبراهام التى شيطنها الحزب ومريدوه، بغض النظر عن التقييم السياسى لها.
بالمحصلة، نحن اليوم، وعلى عادة محور الممانعة عموما وكتلته الصلبة المتمثلة بالحزب، خصوصا، أمام «انتصارٍ» جديد يضاف إلى سلسلة الانتصارات المتراكمة منذ لحظة 8 مارس 2005. فالحزب المنتصر دوما يحلل لنفسه ولشركائه ما يحرمه على المختلفين معه. المشكلة ليست فى مسار التفاوض عينه، فهذا فعل سيادى تحتكره السلطات الوطنية وتستعمله بما يدعم مصالح البلاد. لكن المصيبة، أن محور الممانعة فى لبنان يحتكر مهام الدولة اللبنانية ويحصرها بنفسه وبخطابه وأدواته ويستعملها أدواتيا بما يخدم أجندته المحلية والإقليمية والتى تبدأ من بوابة فاطمة الحدودية، ولا تنتهى عند آخر تموضع استراتيجى للحرس الثورى الإيرانى الذراع التنفيذية الأبرز للنظام الثيوقراطى الغيبى القائم فى إيران.
***
المعضلة ليست فى التفاوض مع عدو على نزاع حدودى بل فى خطاب التحشيد المنظم الذى صوّر البندقية كالحل الوحيد للصراع وللدفاع عن المصالح الوطنية فى مقابل الحط من أدوات الدبلوماسية والعلاقات الدولية. ويأتى اليوم ليصور الاتفاق والتفاوض بأنه عبقرية سياسية وإنجاز حققه بما يذكرنا بتصوير النظام السورى لتفاوضه على السلام بعبارة «سلام الشجعان». والطامة الكبرى، أن الحزب المأزوم منذ ما قبل 17 أكتوبر، لأسباب مرتبطة بامتداداته الإقليمية وعقم خيارات التدخل العسكرى فى أكثر من جبهة وتحوّلها لعبء مادى ثقيل فى اليمن وصراع نفوذ مع الروس فى سوريا وفقدانها للحاضنة الشعبية فى العراق، يقدم الغطاء المباشر لعملية إعادة تمويل نهب لبنان عبر المشاركة المباشرة فى عملية ترسيم الحدود بهدف تسريع استخراج النفط ودفع مستحقات الدائنين من مصارف وسياسيين وجهات خارجية. وهكذا يكون الحزب وإبان الذكرى السنوية الأولى لثورة 17 تشرين قد قدم حبل النجاة الأخير للأوليغارشية اللبنانية ونظام نهب لبنان وقاد الثورة المضادة بكل تفانٍ بما يضمن إعادة إنتاج نظام المحاصصات ويبقى على مصالحه محليا واقليميا.
فى الجهة الأخرى من الحدود، تكمن أهمية الاتفاق بأنه سيشكل الضمانة الأساس لتحقيق السلم وتغيير قواعد الاشتباك والردع بما يضمن استمرار العمليات الاقتصادية فى البلدين المتفقين على تقاسم ثرواتهما الطبيعية. ويبقى السلاح، مُخزنٌ فى القرى والوديان إلى ما شاء الله وتعود اتفاقية الهدنة للواجهة.
لكن يبقى السؤال الأخير، إن كانت اتفاقيات أبراهام قد وسعت الحدود الجيوسياسية لإسرائيل حتى الخليج الفارسى فماذا سينتج عن اتفاق ترسيم الحدود اللبنانى الإسرائيلي؟
سؤال ربما لن يجيبنا عليه، ضباط الحرب الناعمة الحزبلاويون والحركيون المكلفون بتخوين المختلف والتحشيد ضد أى صوت معترض فى البيئة أو خارجها. فهؤلاء ببساطة هم جزء من شعب الله المختار المحتكر دوما للمعرفة والدراية وللنباهة والوطنية.

التعليقات