المجتمع العلمى - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المجتمع العلمى

نشر فى : السبت 3 ديسمبر 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 3 ديسمبر 2022 - 8:55 م
كثيرا ما نسمع أننا نطمح أن يكون المجتمع الذى نعيش فيه مجتمعا علميا، غالبا ما تتوقف الأمنية عند تلك النقطة دون التطرق للسبب الذى يجعلنا نتمنى أن نعيش فى هذا المجتمع وأيضا لا نناقش ما هو المجتمع العلمى، نعامل العلماء باحترام وهى صفة جميلة فينا لكننا لا نسعى لبناء مجتمع علمى بنفس الهمة ونكتفى فقط بالتصفيق للعلماء، فى مقال اليوم أحب أن أشارك القارئ الكريم بعض الخواطر عن المجتمع العلمى: ما هو؟ كيف نعرفه؟ ما أهميته؟ ماذا نفعل كى نصل إليه؟
ما هو المجتمع العلمى؟ ببساطة المجتمع العلمى ليس مجتمعا من العلماء لكنه مجتمع يدرس مشكلاته وحلولها المختلفة بطريقة علمية تعتمد على البيانات الموثقة والتفكير النقدى مع الأخذ فى الاعتبار المعوقات والوقت المتاح والتكلفة إلخ، هذا ينطبق على المشكلات الكبيرة أى التى تكون على مستوى الشركات العملاقة مثلا وحتى المشكلات التى تواجه الفرد العادى.
ما الذى نجنيه من وجود مجتمع كهذا؟ الثمار لا تعد ولا تحصى، على سبيل المثال: سنعتمد على القياسات فى كل شىء ونحلل تلك القياسات لاتخاذ أفضل القرارات ونستخدم أفضل البدائل لأية مشكلة لأننا سنستخدم التفكير النقدى، ونحن هنا لا نتحدث عن الشركات الكبرى فحسب، ولكن حتى على مستوى الأفراد والعائلات، وحتى لا تظن أننا نتكلم كلاما إنشائيا فقط هناك كتاب جميل أصدره المركز القومى للترجمة بعنوان «حل المشكلات اليومية بالمنهج العلمى: كيف تفكر مثل العالم» وهو كتاب ملىء بالأمثلة عن كيفية استخدام التفكير العلمى فى الحياة اليومية، إذا تعودت على ذلك فستطبقه حتى فى عملك وبالتالى ستتطور بيئة العمل بالإضافة إلى الأفراد والعائلات وبالتالى المجتمع كله.
يجب أن ننوه أنه لا يوجد مجتمع على وجه الأرض يمكن اعتباره مجتمعا علميا صارما لكن تتفاوت المجتمعات فى مقدار اعتمادها على الطريقة العلمية. السبب الأساسى لذلك أننا كبشر يتحكم فينا العقل والعاطفة ولا نستطيع إلغاء أى منهما خاصة فى المشكلات التى لا توجد بها معلومات كاملة وواضحة. تخيل مثلا أن هناك شخصا يشعر بالعطش وأمامه كوبان من الماء أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، إذا حكم العقل فقط سيموت عطشا لأنه لا تجد معلومات كافية عن أى كوب أفضل لذلك سيختار أحدهما بالعاطفة أى ما نقول عنه بالعامية «أى واحد وخلاص». إنها تلك العاطفة التى يعتمد عليها البائعون وخبراء التسويق.
قلنا إنه لا يوجد مجتمع علمى مائة بالمائة، لكن تتفاوت المجتمعات، إذا كيف نعرف المجتمع العلمى؟ السؤال ليس سهلا لأننا لن نعتمد على عدد الأبحاث العلمية المنشورة أو براءات الاختراع الحاصل عليها أفراد من هذا المجتمع، والسبب أن بعض الأفراد قد تنشر أبحاثا علمية كثيرة للحصول على «الترقية» أو للوجاهة الاجتماعية لكن حياتهم الشخصية أبعد ما يكون عن التفكير العلمى، وجود وسائط التواصل الاجتماعى جعلت الناس أقرب وأصبحنا نرى من كنا نظنهم علماء كبار فى تخصصاتهم لهم آراء فى الحياة غريبة للغاية، فقد ترى أستاذا كبيرا فى تخصصه لكن يؤمن بقراءة الكف مثلا.
أيضا لا نستطيع الاعتماد على عدد الجوائز العلمية الحاصل عليها أفراد من المجتمع مثلا جوائز نوبل وتيورنج وفيلدز وما شابه لأنهم قد يكونون حالات فردية. إذا ما هى صفات المجتمع العلمى؟ أفراد هذا المجتمع يطرحون الأسئلة أكثر مما يعطون إجابات لأن السؤال الجيد نصف الإجابة، المجتمع العلمى يعتمد على العمل الجماعى وتبادل الخبرات، المجتمع العلمى يعتمد على جمع المعلومات الممكنة حتى يلم بالمشكلة التى يواجهها ثم يطرح الأسئلة الصحيحة ويقارن بين الحلول قدر الإمكان. هذه الصفات قد تبدو سهلة، لكن مع ذلك لا نجد الكثير من المجتمعات العلمية الحقيقية فى هذا العالم، لماذا؟
هناك معوقات تمنع أو تقلل من بناء المجتمعات العلمية، مثلا الكسل فى جمع المعلومات عن مشكلة ما أو الخجل من طرح الأسئلة حتى لا يسخر منا الآخرون ونخجل أيضا من طلب المساعدة حتى لا يظهر ضعفنا، أحد أهم المعوقات أيضا أننا لم نتدرب منذ الصغر على التفكير النقدى ويجب أن نتدارك الأمر مع الأجيال الجديدة.
بناء مجتمع علمى ليس رفاهية وليس «كلام فى الهوا» لكنه هدف كبير من الممكن تحقيقه، تأثيره الإيجابى ليس فقط على تحسن المعيشة ورفاهية الناس لكن تأثيره يمتد كقوة ناعمة للمجتمعات الأخرى، انظر مثلا كيف ينظر العالم للدول الإسكندنافية أو اليابان أو سنغافورة طبعا مع الاعتراف أنه لا يوجد مجتمع علمى صرف لكن تتدخل العاطفة رغما عنا، لكن لنفعل ما نقدر عليه.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات