لننسى أمر الدستور الذى صار الآن أمرا واقعا، وسيصوت عليه البرلمان غدا بـ«نعم» مهما كانت المعارضة له. لنلتفت إلى الجنوب الكبير، هناك حيث تقبع كل حلول أزماتنا المتكررة. لا أتحدث عن النفط والغاز، ولا عن الغاز الصخرى الذى ستجبر أسعار النفط المتهاوية المدافعين عن استغلاله، التخلى عن مشروعهم، الذى سيكلفهم استغلاله أضعاف مردوده.
فى الجنوب حيث الأراضى الواسعة والشمس الساطعة وبعيدا عن التلوث، بدأت نساء عين صالح يقفن وقفة رجال، متحدين عبث السياسة والخيارات السياسية التى لم تجد طريقا للخروج بالبلاد من التبعية إلى النفط المرهونة بأهواء البورصات العالمية وتقلبات السوق، بعد أن صارت أمريكا هى الأخرى تستعمل هذه المادة فى حروبها الاستراتيجية كسلاح لكسر شوكة خصومها.
نشر تحقيقا يعيد للقارئ شيئا من الأمل الذى افتقده الجزائريون فى زحمة الأخبار المحبطة، حيث جاء أن نساء مدينة عين صالح يقمن بمشاريع فلاحية من زراعة وتربية أسماك فى الأحواض، على نطاقات واسعة، تحديا لمشاريع الغاز الصخرى التى تهدد المنطقة بالتلوث والقضاء على التنوع البيئى هناك.
مشاريع تنبئ بمستقبل جميل لهذه الأراضى التى عانت سنوات من غياب المشاريع التنموية، فهذه الجنائن التى ستدر على الأسر الكثير من الخيرات، ليس فقط ستقلل من فاتورة الواردات التى ستنخفض رغما عن إرادتنا، بسبب انهيار أسعار النفط وما تلحقه بالميزانية الغذائية، بل أيضا ستفتح للكثير من الشباب فرص عمل واستقرار وتعمير للمنطقة. فقد أثبتت التجارب وسوء الخيارات فى السياسات الوطنية المتعاقبة أن ثروة البترول والغاز كانت وبالا على سكان الجنوب، بل على الجزائر ككل، لأننا ولكثرة ما اعتمدنا على مداخيل المحروقات، أهملنا الفلاحة وحولنا الأراضى الخصبة إلى بور. هذا إذا ما نجت من غزو الإسمنت. إنها أحسن طريقة لحماية البيئة من التلوث، وأيضا لتخفيف الضغط السكانى عن الشمال.
مشروع تعمير الصحراء واستغلالها فى الزراعة وتربية الأسماك ليس بالجديد، وقد أثبتت تجربة استصلاح أراض واسعة فى بسكرة والوادى، جودة هذه الأراضى ومردودها المتنوع والذى لا يخضع لمواسم بعينها، حيث صارت الغلال التى كانت حكرا على فصل معين، متوفرة فى كامل فصول السنة، هذا المشروع بإمكانه أن يغذى سكان الأرض كلهم مثلما أكد ذلك سفير اليابان السابق بالجزائر، والذى قال قبل مغادرته بلادنا، إن أرض الجزائر وشمسها قادرة لو أحسن استغلالها على توفير الغذاء لكل البشر، بل بإمكان هذا الجنوب الخلاب بمناظره وواحاته وبمواقعه الأثرية التى تعد من أقدم الآثار البشرية على الأرض، أن يخلصنا أيضا من التبعية للنفط، بإحداث ثورة سياحية هناك، مثلما تفطنت له الإمارات، التى تحررت هذا الأسبوع من اقتصاد النفط بتصديرها لآخر برميل لهذه المادة الأحفورية، ويعتمد اقتصادها اليوم كليا على الخدمات وعلى رأسها السياحة، وأيضا التجارة بعدما صارت قطبا تجاريا يربط كل الدول وكل القارات بها.
ليس أمامنا من مخرج غير هذا، لنوجه كل جهودنا التنموية إلى الجنوب، فقد أثبتت لنا نساء عين صالح اللواتى خرجن السنة الماضية فى مظاهرات ضد الغاز الصخرى، أن قدرنا ليس مرهونا بالنفط والغاز، وها هى جنائهن تعطى أحسن مثال للسلطات على ذلك، فالتحدى ليس بالانتفاضات والتكسير وقطع الطرقات ونصب المتاريس والحرق والغضب، التحدى هو هذا، تعمير الأرض، والعودة إلى الأصل إلى الفلاحة والأرض هى الثروة الوحيدة التى لا تنضب ولا تلوث، وبقدر ما يعطيها صاحبها من جهد وعمل، تعطيه بغير حساب، فهنيئا لفحلات الجنوب ولنعد إلى الأصل!
حدة حزام
الفجر ــ الجزائر