بعمليتها العسكرية الوحشية ضد «أسطول الحرية»، قدمت حكومة نتنياهو هدية مجانية لمعسكر الصقور العرب الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل ولا بالسلام الزائف معها.. فالآن لم يعد لدى الواقعين فى عشق السادات أوالمبهورين «بعبقريته» السياسية، أى حجة للدفاع عن «سلامه المنفرد» مع إسرائيل، والذى أدى فى النهاية إلى ربطنا معها ومع أمريكا بشبكة من الاتفاقيات ــ التى يقال إن بعضها سرية ــ للدرجة التى كبلت حريتنا فى الحركة، وأصبحنا نشارك إسرائيل حصار إخواننا فى غزة، ونتغاضى عن جرائمها عندما تشن عمليات عسكرية تقتل فيها مئات الفلسطينيين المدنيين..
كما أن إسرائيل التى تشترى الغاز الطبيعى منا بأبخس ثمن طبقا لاتفاقيات غامضة، هى نفسها التى نتفق معها على فتح معابر رفح فى أوقات محددة، ثم نغلقها فى أغلب الأوقات بالشكل الذى يحول الحياة فى غزة إلى قطعة من الجحيم..!
طبقا لمفاهيم هؤلاء الصقور العرب، كان من الممكن الضغط على إسرائيل بمقاطعتها اقتصاديا وسياسيا لزيادة أعباء ونفقات وجودها على الدول الغربية التى تدعمها فى كل الحروب التى شنتها علينا وفى كل جرائمها التى ارتكبتها ضدنا.. وكان من الممكن أيضا زيادة التعاون العربى والتوجه نحو الصين ودول شرق آسيا للتبادل التجارى معها مع تقليل اعتمادنا الاقتصادى على الغرب الذى يتعامل بمعايير أخلاقية وسياسية مزدوجة فى الشرق الأوسط ويكيل بمكيالين بيننا وبين إسرائيل.
الآن يستطيع الصقور العرب أن يؤكدوا صحة مواقفهم القديمة، بعد أن أدت سياسات الحمائم العربية إلى إلحاق أكبر الهزائم السياسية بنا طوال أكثر من ثلاثين عاما سواء على الصعيد القومى بتعذيب منتظم للفلسطينيين وسقوط بغداد وتقسيم السودان وزيادة النفوذ الإسرائيلى فى منابع النيل.. أو على الصعيد الوطنى بزيادة معدلات الفقر والفساد وغياب الحريات والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وتزوير الانتخابات..
نحن بحاجة إلى برنامج سياسى جديد يوقف هذا الانهيار المتواصل فى أداء الدولة والمجتمع فى مصر، ويعيد بناء العلاقات العربية على أسس جديدة تعلى من قيمة التعاون الإقليمى بالتوازى مع كبح النفوذ الخارجى فى قرارات الحكومات العربية.. وقبل كل ذلك نحن بحاجة لأن ندرك أن القيود السياسية وتزوير الانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان هى الوجه الآخر لعلاقات التبعية مع أمريكا والسلام الزائف مع إسرائيل.